القصة الكاملة لتقويم صبايا العطاء
تقدّم ما يقرب من 4000 منظمة غير ربحيّة بطلبات للحصول على منح ماليّة من الكرملن في وقتٍ سابق من هذا العام، على أمل الفوز بتمويل لمشاريع تهدف للنهوض بالرياضة، والقيم والعلوم بين أوساط الشباب الروس. وُزّع ما يقرب من 238 مليون روبل (3.8 مليون دولار أمريكي) على 70 مشروع مختلف، وأحد المساهمين التسعة بالمنحة وهو الاتحاد الروسي للشباب، كان قد اشترط على المنظمات المستفيدة استخدام الأموال بهدف “نشر التراث الثقافي الروسي.”
تذوّق الجمهور هذا الأسبوع، بعد ثمانية أشهر، شيء من الثقافة الروسيّة الشعبية: تقويم لمـّـاع يضمّ اثنتي عشرة امرأة سورية جميلة، تظهرن بجانب جُمَل غزليّة تشيد بتدخّل موسكو المسلّح في شرق المتوسط.وكلّ واحدة منهنّ ترتدي “الكوكوشنيك” (رداء تقليدي روسي للرأس)، “في إشارة تقدير لروسيا”.
هذا التقويم أقلّ إثارة من نسخة أخرى تلقّاها بوتين منذ ست سنوات بمناسبة عيد ميلاده 58 وفيه نساء شبه عاريات يدرسن بقسم الإعلام في جامعة موسكو الحكومية، مع رسائل قصيرة تشير إلى مروءة وفحولة بوتين التي لا تقاوم.
الإصدار الجديد ليس بدرجة الإثارة التي كانت عليها هدية عيد الميلاد في 2010، كما أنّه أقلّ حصريّـةً منه. الآن صور الفتيات أُرسِلت إلى “ضبّاط الجيش الروسي” ، كما أُرسلت شحنة خاصّة للجنود الروس في سوريا يوم السبت 17 كانون الأول / ديسمبر.
وفي إشارة إلى أنّ بوتين لم يكن منسيّـًا تمامًا، سيذكر الجنود الروس رئيسهم في أواخر السنة في يوم عيد ميلاده. “قلْ لي من قائدك، أقلْ لكَ من أنت” هكذا قالت ملكة شهر تشرين الأول / أوكتوبر يارا خشان.
تحمل الأشهر الأخرى بشكل مشابه رسائل حماسية تعبّر عن امتنان النساء لإنقاذهن. ” كان لديك عطلة! لكنني حصلت على الهدايا” قالت ملكة شباط فبراير وهو الشهر الذي تحتفل فيه روسيا بيوم المدافع عن أرض الآباء.
ومن غير الواضح متى انتهى التقويم، لكن لسخرية القدر فإنّ إحدى الجمل بدت مناسبة، ملكة شهر آب / أغسطس مثلاً تبدو وكأنها تقوم بالدعاء قائلةً “مصير مدينتي تدمر بين أيديكم” في إشارة إلى المدينة الأثرية السورية القديمة والتي استعادتها القوات الحكومية بمساعدة سلاح الجو الروسي في آذار مارس، ثمّ فجأة استردّها مقاتلي داعش في 11 كانون الأول / ديسمبر الحالي.
أشار التقويم أيضًا في تشرين الثاني / نوفمبر إلى اليوم الذي وصلت فيه حاملة الطائرات الروسية القديمة “الأدميرال كوزنتسوف” إلى شواطئ سوريا للمشاركة في الغارات الجوية، ومنذ وصولها تحطّمت طائرتان أثناء محاولتهما الهبوط على متنها بسبب مشاكل ميكانيكية على مدرج الطيران.
التقويم هو من عمل مجموعة تُدعى “المواطن” والتي اختارها الاتحاد الروسي للشباب لتصميم مشروع يُدعى “التوجيه الوطني للفنانين الشباب” المؤهل للتعبير عن “القيم والثقافة الوطنية” الروسية، فضلاً عن انتصارات وإنجازات روسيا الحديثة.
التقويم بالتأكيد هو نصب تذكاري لانتصار روسيا، ومؤلفيه لم يخفوا امتعاضهم من عزوف الأمريكيين عن الوقوف بجانب موسكو للدفاع عن نظام الأسد، في بيان صحفي يوم 155 كانون الأول / ديسمبر كتبوا:
«В последнее время западные СМИ часто ссылаются на аккаунты “сирийских девочек”, которые на безупречном английском пишут о том, как они ежедневно страдают от действий русских. Причём эти “девочки” даже не могут ответить по-арабски на предложения о помощи. Все большему числу людей становится понятно, что эти пронзительные истории пишут не восьмилетние девочки, а SMMщики ЦРУ, но для организаторов и участниц проекта важно, чтобы те, кто сражается с террористами, знали, что думают о них настоящие дочери Сирии».
غالبًا ما كانت وسائل الإعلام الغربية تستشهد بحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي “لفتاة سورية” كانت تكتب بلغة إنكليزية رصينة حول معاناتها اليومية بسبب ما يفعله الروس. وهذه “الفتاة” لا يمكنها الإجابة باللغة العربية عندما يعرض عليها بعض الناس المساعدة. هناك عدد متزايد من الناس بدؤوا يفهمون أنّ هذه القصص المؤثرة لا يمكن أن تكون قد كُتِبت من قِبل فتاة تبلغ 8 سنوات, ولكن من قِبَل متخصّصين في وسائل التواصل الاجتماعي من وكالة الاستخبارات المركزية. ولكن بالنسبة للمنظمين والمشاركين في المشروع من المهمّ أن لأولئك الرجال [الروس] الذين يقاتلون الإرهابيين [في سوريا] أن يعلموا أنّ هناك فتيات سوريّات حقيقيّات يفكرنّ فيهم.
الملاحظة حول مواقع التواصل الاجتماعي والفتاة ذات الثمان سنوات من المحتمل أنّها “بانة العابد” ذات السبع سنوات والتي اشتهرت تغريدات أمّها من حلب الشرقية التي يسيطر عليها الثوّار. بانة اشتهرت في وسائل الإعلام أواخر أيلول سبتمبر، ممّا أدّى إلى ردود فعل غاضبة من قبل موالين للأسد وأولئك الذي يسعون لتشويه سمعتها. في 14 كانون الأول ديسمبر نشر موقع Bellingcat بحثاً أشار بقوّة إلى أنّ الفتاة موجودة بالفعل وهي تعيش في حلب الشرقية.
رئيس الاتحاد الروسي للشباب هو “بافل كراسنوروتسكي” وهو واحد ممّن يُسمّون وكلاء بوتين، والذي يعني أنّه كان مخوّلاً بالتحدّث نيابةً عنه خلال الانتخابات الرئاسية في 20122. بعد فوزه بسباق الرئاسة،أبقى بوتين برنامج الوكلاء نشطًا، وبقي كراسنوروتسكي يساهم بشكل منتظم في قضايا التعليم.
تحديث: الموقع الروسي TJournal أفادَ بأنّ بعض السوريات اللاتي شاركن في التقويم كنّ خجلات من معرفة أنّ هذه العبارات المثيرة منسوبة إليهن. يارا خشان أو ملكة تشرين الأول / أوكتوبر ، يُقال إنّها نشرت على فيسبوك منشور ظهر للأصدقاء فقط أكّدت فيه أنّها بالإضافة لبقيّة الفتيات لا يعرفن شيئًا حول التعليقاتت الجريئة المرفقة بالتقويم.
“اعتقدنا أنّه سيكون مجرد صور فوتوغرافية لنا،” خشان قالت لـ TJournal. “لكننا صُدمنا عندما شاهدنا التقويم على الشبكة مرفقًا بهذه العبارات الغبية. […] لقد شرحت لأصدقائي المقربين على فيسبوك ما حدث، لأنّ ردّة الفعل في سوريا كانت فظيعة. الجميع كان غاضباً من هذه العبارات.”
تقول خشان إنّها وبقيّة العارضات كانوا قد أُخبِروا أنّ المقصود بالتقويم تقديم الشكر للجنود الروس لمشاركتهم في الحرب على الإرهاب. كما أنّها طلبت من ناشري التقويم أن يحذفوا العبارات الجريئة، لكن كانت هناك نسخ قد أرسلت بالفعل للجنود في الميدان.
نُشرت هذه التدوينة في موقع الأصوات العالمية بتاريخ 17-12-2016 بقلم Kevin Rothrock و ترجمها للعربيّة راغب بكريش