ملحوظات متنوعة

ابتسم أيها الجنرال يذكر الجمهور العربي بالفيلم الجزائري سنوات الإشهار

بدايةً لنتحدّث عن فيلم سنوات الإشهار الذي غُيّر اسمه مؤخّرًا إلى العرش

بدأ تصوير الفيلم في الجزائر عام 2002 وتوقّف عدّة مرات لأسباب مالية وأمنية فتارةً كان المخصصات المالية تنتهي وتارة كانت السلطات توقف العمل، وتارة تفرض وزارة الثقافة شروطًا للتمويل أو العرض أو السماح بالتصوير.

بطل الفيلم هو الممثل والكاتب الجزائري القدير عثمان عريوات، وكان عريوات قد غاب عن الساحة الفنية احتجاجًا على المعوّقات التي وُضعت أمام عمله الأخير فيلم سنوات الإشهار، ويُعد عريوات شخصية جزائرية ذات وزن واحترام كبير فقد حصل فيلمه “الشيخ بوعمامة” على ميدالية ذهبية بالاتحاد السوفييتي 1985 وكان يمثل دور بوعمامة أحد قادة النضال ضد الاستعمار الفرنسي، كما مثل دور البومباردي في فيلم كرنفال في دشرة 1994 وأصبح بعدها مشهورًا بلقم البومباردي، وأخيرًا في 2020 حصل على وسام برتبة عشير من رئيس الجزائر.

أما الفيلم محور حديثنا كان قد تعرّض للإيقاف لأنه ناقش قضايا جدلية في المجتمع الجزائري مثل الحجاب والوضع الأمني بداية التسعينيات، كما أنّ تغيير اسم الفيلم أربع مرات كان لنفس السبب.

والآن لنعقد المقارنة

الفيلم كانت ميزانيته ضخمة بينما مسلسل الجنرال كان من الواضح أنّ ميزانيته محدودة (واضح في الديكور ومشاهد المظاهرات والتفجيرات)

الفيلم صوّر في عدة مدن جزائرية أي نفس بيئة الأحداث تمامًا، بينما المسلسل صوّر في تركيا وكانت المشاهد الخارجية تعاني من هذا الأمر

الفيلم أنتِج في الجزائر أي في أرضه وبين جمهوره ولم يكن لديه أي نقص بالموارد البشرية سواء على مستوى الأبطال أو مستوى الكومبارس

يحكي منتجو الفيلم أنّ المشاهدين سيكونون أمام 3 ساعات من التحف الفنية والإخراجية والحبكة الدرامية والتاريخية، وكل هذا مفهوم فقد كان لديهم الوقت بطوله والإمكانيات بطولها وعرضها، بينما يبدو أنّ المسلسل أُنتِج على عجل، والكثيرون تحدثوا عن التفاوت في أداء الممثلين والتفاوت في قوة الحوارات والتفاوت في مستوى الديكور والتفاوت في كل شيء، أظن أنّ جزء من المشكلة هو توزيع العمل بين أشخاص متفاوتين بالخبرة، ربما اشترك أكثر من كاتب في تأليف الحوارات، أقول ربما لأننا لا نعلم ولم يصدر توضيح بهذا الشأن.

الفكرة

قبل عدة أيام حصل فيلم “سوري” على جائزة أفضل فيلم روائي بمهرجان Sehsüchte (لا أعلم مدى قوة هذه المسابقة) وهو فيلم “خطى أب” من بطولة نوار يوسف وإخراج وتأليف محمد علي الذي يصف فيلمه بأنه أول فيلم سوري هندي لأنّ المخرج يقيم في الهند 🙂 وقصة الفيلم القصير هي أنّ الأم تحاول إخفاء حقيقة أنّ الأب مخطوف عن ابنها الأصم.

المشكلة مع هذا الفيلم برأيي أنّ الكثير الكثير من الأمور كانت مبنية للمجهول، بل ربما كل شيء مبني للمجهول، مثل حقيقة الصراع في سوريا ومن هي الجهة الخاطفة وفي أي بقعة من سوريا تحصل أحداث الفيلم، ولا أقصد المدينة فاسم المدينة ليس ذا أهمية، بل أقصد هل هي منطقة سيطرة النظام أم الثوار أم حكم الذاتي الكردي أم مناطق تنظيم الدولة الخ الخ، بل إنّ الفيلم يحوي مشهدًا غاية في الضبابية، حيث تسأل صديقة الأم “هل سمعت شيئًا عن زوجك، لقد أفرجوا عن المختطفين”

يقول المخرج إنه حاول أن يكون فيلمه بعيدًا عن السياسة لأنّ الأفلام السورية خلال فترة الحرب كانت بصبغة سياسية، وفيلمه إنساني بحت!

هذا التصريح يذكرنا بمصطلح “فصل الرياضة عن السياسة” و “فصل الفن عن السياسة”

الأنكى من هذا أنّ العرض الأول للفيلم كان في موسكو، والملفت أنّ بعض المعلقين على الأمر اعتبره تناقضًا، أي أن تعرض فيلمًا يعارض الحرب في عاصمة دولة تشن حربًا على جارتها (المقصود حرب روسيا على أوكرانيا)

بينما التناقض هو أن تعرض في روسيا فيلم يناقش مأساة الحرب التي تشارك فيها روسيا ضد السوريين

الشاهد من الموضوع هو أنّ هناك العديد من المحاولات لتمييع المأساة السورية وإعفاء النظام من المسؤولية عبر أعمال مثل هذه، بينما نحن بحاجة لأعمال غير رمادية ولا تقف في الوسط.

لكن هذا لا يعني أنّ مسلسل الجنرال هو العمل الثوري الوحيد والأوحد، ولا يعني أنه خرق كل القواعد والمسلّمات الدراجة، مثلًا فيلم مثل “للعبث يا طلائع” ليمان عنتابلي هو عمل ثوري من الدرجة الأولى الممتازة برو بلس ماكس

الخلاصة من وجهة نظري – السلبيات والإيجابيات

سلبيات مسلسل الجنرال

– لا يملك حبكة قوية وتسلسل أحداث يمكّن المشاهد غير السوري من الاستمتاع بالمشاهدة، إنما السوريون لديهم حافز قوي للمتابعة لأنهم ينتظرون الأحداث التي عاصروها ويريدون معرفة كيف سيرمز لها المسلسل

– قصة الضابط وضاح ركيكة وغير متماسكة وخلقت تشويشًا لدى المشاهد السوري الذي بحث عن مقابل واقعي لها في مسيرة الأب والابن دون جدوى

– التجييش الإعلامي الكبير قبل وأثناء وبعد عرض المسلسل، هذا يشكل ضغط على المشاهدين ونفور وينعكس على التوقعات من العمل حيث رفع التوقعات مما تسبب بانخفاض التقييم

– التفاوت في كل شيء: أداء – حوار – ديكور

– الادّعاء بأنّ الأحداث خيالية، لا أعرف ما الفائدة من هذه العبارة في بداية كل حلقة

إيجابيات مسلسل الجنرال

– رفع سقف المطلوب والمأمول من الأعمال الفنية القادمة

– لا يوجد مشاهد خليعة – كنت لأقول أنه مناسب للمشاهدة العائلية لو لا قصة وضاح الركيكة والخادشة للحياء

– أعاد إلى الشاشة ممثلين أحببناهم

تعليقات أخرى

من السخافة اعتبار هذا العمل سببًا في ملاحقة الممثلين أو العاملين فيه بشكل عام هم أو أقاربهم، لأنّ كل الممثلين من ذوي المواقف المعلنة من النظام، وأي واحد منهم حكى بشكلٍ صريح في المقابلات واللقاءات التلفزيونية كلامًا أوضح وأقسى بكثير مما كان في المسلسل

أحزنني أن البعض شنّ حملة مضادة للمسلسل ردًا على التجييش الإعلامي عبر المنصات المدعومة من قطر، وكانت هذه الحملة تصوّر المسلسل وكأنه رجس شيطاني بينما للعمل سلبياته وايجابياته (أدعو لقراءة تعليق الأستاذ عمر قصير عنه)

أحزنني أكثر الرد على منتقدي المسلسل واعتبارهم معادين للثورة، وهذا قصر نظر بلا شك

يقولون إنّ قصر الرئيس هو نفس قصر زعيم المافيا أونال في مسلسل تركي شهير وهذه رمزية أخرى، لكنها أيضًا لا تمت للواقع فالموضوع محض صدفة لو كان صحيحًا، فقد أصبح البحث عن رمزيات وخبايا شيئًا مضحكًا بعد كمّ الأخطاء الهائل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى