بالنسبة لك كمدرّس، أيّهما تفضّل تدريس الصفوف الانتقالية، أم صفوف الشهادات أي نهاية المرحلة الثانوية والمرحلة الإعدادية؟
الإجابة القصيرة: الصفوف الانتقالية، وهذه التفاصيل ..
في بلادنا عندما يبدأ المدرّس مسيرته المهنية يأمل ويسعى ويجاهد بكلّ ما أوتي من قوّة لأجل الدخول إلى صفوف الشهادات وبخاصّة الشهادة الثانوية (الصف12) وذلك لأنّها ستجلب له دخلًا أعلى في المستقبل بسبب فشل التعليم في بلادنا ممّا يضطر الطلاب للجوء للدروس الخصوصية التي سيقدمها المدرّسون أنفسهم.
العامل الثاني وهو أيضًا مهمّ جدًا، يستطيع المدرّس تحقيق الإنجازات “القابلة للقياس” مع طلاب الشهادات وليس طلاب الصفوف الانتقالية، وهذا يشبه رغبة الكثير من اللاعبين في كرة القدم اللعب في مركز الهجوم حيث يستطيعون تسجيل الأهداف وتحقيق الشهرة بسرعة وسهولة أكبر فيما لو كان في مركز الدفاع أو الوسط.
إذن، الحال هي: الصفوف الانتقالية تعني دخل متوقّع أقلّ وشعبية أقلّ، لذا تُعد أقلّ منزلةً في مجتمع التدريس، لكن هل هذه هي الحال فقط؟
في الغالب لن تُتاح فرصة الدخول إلى صفوف الشهادات للخريجين الجدد، وسيُضطرون للتعامل مع الصفوف الانتقالية، وفيما بعد سيتقدّم بعض المدرسين ويصلون للصفوف النهائية وبعضهم سيبقى في الانتقالية وبعضهم سيتقدم ثمّ يرجع وبعضهم سيخلط بين الاثنتين، أنا كنتُ ممّن خلط بين الاثنتين، وهنا تسنّى لي المقارنة بينهما بشكل دقيق ومتزامن، والنتيجة الصادمة هي أنّي أحببتُ تدريس الصفوف الانتقالية أكثر، والسبب:
في الصفوف الانتقالية لن يكون الطلاب والمدرّس تحت ضغط الامتحان الوزاري بالتالي سيكون لديهم راحة أكبر في اختيار موضوعات المنهاج وطريقة الاختبارات، بالتأكيد لا ننسى أنّ جميع الصفوف لديها مناهج محدّدة من الوزارة وليس فقط الشهادات، لكن بما أنّ الامتحانات الانتقالية لا تكون مركزية فيستطيع المدرّس وضع لمسته، وهذه هي النقطة الأهمّ، في الصفوف الانتقالية استطعتُ وضع لمستي، ولا أقصد فقط بالأسلوب بل في الموضوعات والمسائل المطروحة، فلمسة الأستاذ يمكنه وضعها في أيّ صفّ سواء كان انتقالي أم شهادة عبر أسلوبه الفريد ومصطلحاته المميّزة وتعابيره الخاصّة التي تخلق لغةً مشتركة بينه وبين طلابه.
ألقِ نظرة على ورقة العمل الصغيرة التي وزّعتها على طلاب الصفين السادس والسابع منذ أربع سنوات
ولديّ الكثير من هذه الأوراق التي تحوي أسئلة تُعدّ نظريًا من خارج المنهاج، إلّا أنّي أعتقد أنّ مفاتيح الحلّ موجودة في المناهج وعلينا اكتشافها فقط.
ليس بالضرورة أن يكون الحلّ عدديًا أو يحوي معادلات وقوانين، قد يكون الهدف من المسألة تعليم طريقة تفكير معيّنة، وقد يكون مجرّد النقاش حول أمر غير معهود بالنسبة للطلاب، وقد يكون من أجل فتح نافذة نحو عالم لم يسمعوا به، مثلًا السؤال الثاني في الورقة السابقة حصلتُ له على إجابات رائعة وطريفة سجّلتها هنا.
هل تعلم أنّي كنتُ أجري تجارب رياضيات في الصفّ؟ نعم تجارب رياضيات وليست كيمياء أو فيزياء، مثل تجربة شرحنا فيها مسألة عيد الميلاد المسألة الشهيرة في نظرية الاحتمالات، المفاجأة أنّ مسألة عيد الميلاد هذه لا تُعطى ولا يستطيع فهمها (بشكل عام) طلاب البكالوريا بينما استطاع طلاب الصفّ السابع فهمها، ماذا لو طرحتُ نفس المسألة في صفّ الباكالوريا؟! سأتعرّض لحملة شرسة من الاعتراضات من الطلاب والأهالي والإدارة، بحجّة أنّي أضيع الوقت وهذه الأسئلة لن تأتي في الامتحان النهائي.