عالم التقنية والابتكار
مدونات ساسة بوست

هل يمكن القضاء على اللجوء بمصاريف الحجّ

بلغ عدد النازحين حول العالم 65 مليون نازح أي ما يعادل عدد سكان بريطانيا، من ضمنهم 5 وربع مليون لاجئ فلسطيني تشرف عليهم الأونروا، والتي تردّد الكلام مؤخّراً عن إيقاف عملها، وهذا ما يعني حسب الظروف الحالية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلغاء حقّ العودة والانتقال بفلسطينيّي المهجر إلى الحلّ الثاني وهو الاندماج في بلدان اللجوء الحاليّة.

وبشكلٍ عام فقد كُلفت المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بإعادة التوطين باعتبارها الحلّ الدائم الثالث لمشكلة اللاجئين، وإعادة التوطين هي نقل اللاجئين من بلد لجوء إلى دولة أخرى وافقت على قبلوهم ومنحهم الاستقرار الدائم في نهاية المطاف.ومن بين 22 مليون ونصف مليون لاجئ مسجّل أُعيد توطين 190 ألف منهم فقط.

وفي ظلّ عدم وجود حلٍّ منظور للأزمات التي تسبّب نزوح ولجوء هذه الملايين يُعدّ توطين اللاجئين الحلّ الأمثل إنسانيّاً ومادّيّاً، فهو الأكثر كلفة آنيّاً إلا أنّه أوفر على المدى البعيد.

إنّ إعادة التوطين مسألة معقّدة نوعاً ما لأنّ طلب اللاجئ يمرّ بمراحل عديدة من الدراسة، ويتطلّب موافقة الدولة المتبرّعة باستضافة هذا اللاجئ، وهذا لا يُعدّ شيئاً إذا ما علمنا أنّ عدد طلبات إعادة التوطين لدى المفوّضية يبلغ مليونين ونصف المليون طلب، أي أنّ 1 بالمئة تقريباً من الطلبات تتمّ تلبيتها فقط.

تبلغ ميزانيّة المفوّضية حوالي 8 مليار دولار لهذه السنة، حيث تتولّى رعاية 17 مليون لاجئ، ويعمل بها 11 ألف موظّف في 130 بلد، 87 % منهم في مكاتب ميدانيّة، وتحاول المفوّضية على الدوام إقناع الدول الغنيّة بزيادة عدد اللاجئين المقبولين لديها في برنامج إعادة التوطين، وغالباً ما تقبل الدول أعداداً أقلّ بكثير ممّا تصرّح به في وسائل الإعلام، ممّا يشكّل ضغطاً كبيراً على المفوّضية.

تبلغ كلفة إعادة التوطين للفرد الواحد في كندا والولايات المتحدة والاتّحاد الأوربي 15 ألف دولار على الأقلّ وتصل إلى 30 ألف دولار في المملكة المتّحدة. وهذا يعني أنّه لو لبّت المفوّضيّة جميع طلبات إعادة التوطين المقدّمة لها فسيكلّف ذلك حوالي 40 مليار دولار. بالطبع هذا لن يحصل حتّى لو كان هذا المبلغ موجوداً لأنّ إعادة التوطين تخضع لشروط قاسية من الدول المضيفة، كما أنّ تلبية الطلبات جميعها لن يوقف الأزمات التي تسبب اللجوء أصلاً، هذا بالإضافة إلى أنّ مثل هذه الخطوة ستشجّع الناس من كلّ أرجاء الكوكب لتقديم أنفسهم كلاجئين رغبةً في انتقالهم لحياة أفضل في دولٍ غنيّة.

إنّ التحليل السابق هو بالضبط الإجابة عن سؤال “هل يمكن القضاء على اللجوء بمصاريف الحجّ؟” بعبارة أدقّ الجواب هو “لا يمكن”، بغضّ النظر عن أنّ مجموع مصاريف الحجّاج لهذا العامّ لا تتجاوز 15 مليار دولار متضمّنةً كلّ شيء حتّى الهدايا، فإنّ المشكلة الرئيسة ليست المبلغ اللازم بل هي إيجاد القبول الدولي لهؤلاء اللاجئين والأهمّ من كلّ ما سبق هو تجفيف منابع اللجوء أي القضاء على الصراعات التي تسبّب النزوح واللجوء بالأساس.

كما أنّ الأمر لا يُنظَر إليه بهذه الطريقة الجوفاء، حيث لا يمكننا إلغاء شعيرة هامّة كشعيرة الحجّ من قاموس مليار مسلم، ولشرح الفكرة تخيّل الدعوة لإلغاء الاحتفال بعيد الحبّ أو عيد الميلاد أو عيد العمّال، وتصوّر حجم النقد الذي ستتلقاه، علماً أنّ يوم عيد الحبّ لوحده يشهد إرسال مليار هديّة عبر العالم ولك أن تتخيّل تكلفة هذا اليوم.

باختصار فإنّ إلغاء أيّة مناسبة أو ظاهرة عالميّة لصالح عملٍ خيريّ غير مجدية مهما كانت كلفة هذه المناسبة لعدّة أسباب، أهمّها أنّ العمل الخيري كمسكّن الألم الذي لا يزيل سبب الألم الأصلي، وثانيها أنّ للبشر احتياجاتهم النفسية والروحية والتي لا تتحقّق إلا باحتفالٍ هنا وصلاةٍ هناك.

بقيت نقطة أخيرة، قد يقول قال ماذا عن حجّاج سوريا، أليس حريّاً بخمسة عشر ألفاً تكلّفوا بخمسين مليون دولار أن يصرفوا هذه الأموال لنصرة إخوتهم بدلاً من حملات التبرّع التي تجري في بلدان الغرب والشرق؟! نقول عن هذا الأمر إنّ تاريخ المنطقة والأمّة لم يخلُ سنةً من حربٍ أو غزوةٍ أو شهداء، ومع ذلك لم تتوقّف الاحتفالات بالأعياد أو السفر إلى مكّة والقدس للحجّ، حتّى إنّ مسلمي الأندلس الذين صدرت فتاوى عديدة تعفيهم من الحجّ لم يلغوا الحجّ من شعائرهم رغم أنّ رحلة الحجّ كانت تستغرق سنتين يسيرون خلالها في ثلاث قارّات برّاً وبحراً مارّين على أشدّ البقاع حرارةً وتوتّراً.

وفي ظلّ هذا الشغف الأسطوري لزيارة المشاعر المقدّسة لا يسعنا إلا أن نعاتب من يكرّر الحجّ مرّتين وثلاثة وأربعة، قاطعاً الطريق على من يحلم بالحجّ لأوّل مرّة ومساهماً في زيادة كلفة الحجّ ومانعاً لصرف هذا المال في مصارف أكثر فائدة لأسرٍ تصارع الثلوج في المخيّمات.

نُشرت هذه المقالة في ساسة بوست بتاريخ 31 آب 2017

 

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى