هل يمكن تجريم الأفلام الإباحية؟
لا أعرف إذا كان المقصود هل من الممكن قانونيًا أم من الممكن عمليًا أم من الممكن تجاريًا .. الخ
لكن قانونيًا يوحسب قوانين كل دولة يمكن تجريم أي شيء، فهل يمكنك أن تتخيّل أنه من الممنوع قانونيًا ارتداء المرأة الحجاب الإسلامي أو تعليق الصليب المسيحي لو كانت تعمل مدرّسة في فرنسا؟ أو هل يمكنك تخيّل أنّه من الممنوع خروج المرأة دون ارتدائها الحجاب الإسلامي في إيران، بل وفي السعودية ليس فقط يجب ارتداء الحجاب بل يجب ارتداء الخمار.
إذن أعلاه عرضتُ لك قانونين متعارضين تمامًا في دولتين مختلفتين، أي إنّ التجريم ممكن لأيّ أمر بكلّ معنى الكلمة.
الآن ننتقل لنقطة أخرى، تجاريًا، فإنّ صناعة الإباحية من أكثر الصناعات ربحًا، ولديها لوبي قوي جدًا، بحيث يستحيل تقريبًا تمرير أيّ قانون يجرّمها في بلد المنشأ (غالبًا الولايات المتحدة وأوربا)، زد على ذلك فإنّ الأسهل من تجريم مشاهدة الأفلام، هو منع صناعتها بالأصل، لكن ذلك لا يحصل للسبب المذكور آنفًا.
أما في الدول التي لا تنتج الأفلام ولا تحبّذ مشاهدتها، فإنّها ببساطة تحظر تلك المواقع مثل بعض بلدان الشرق الأوسط.
من جهة ثانية، هناك مواقع أخطر على البشر والبشرية من المواقع الإباحية، مثل المواقع الإخبارية التي تبثّ سمومها ليل نهار، وهناك المواقع التي تبثّ موادّ ضارة للصحة وقد تودي بحياة الناس كالترويج للعلاج بالأعشاب وغيرها، وهناك مواقع تبثّ مسلسلات وأفلام عادية، لكنها تحوي مشاهد مثيرة، فهل يمكن اعتبارها تندرج تحت الإباحية التي يجب تجريمها؟ وإن كان الجواب نعم، فما هو الحدّ الفاصل الذي بموجبه يمكن اعتبار هذا الموقع إباحي وهذا لا؟ ففي بعض الدول مجرد ظهور كعب المرأة يعتبر إباحية ودعوة من المرأة للرجال بأن يتحرشوا بها، بينما في دول أخرى فإنّ ظهور المرأة بالبكيني يعتبر موضة.
هل أفلام الأكشن وأفلام الرعب أقلّ خطرًا من الإباحية؟ هل مشاهد الحروب الحقيقة وقصف البراميل والكيماوي أقلّ خطرًا من الإباحية؟
هل تعلم أنّ صناعة الأفلام الإباحية ساهمت بشكلٍ كبير في تطوّر الإنترنت ووصولها لهذه المستويات من السرعة والجودة والدقة، بسبب الأرباح التي تدرها والطلب الكبير على جودة أعلى؟ الإباحية كالحروب، فقد ساهمت الحروب رغم فظاعتها بتطور البشرية لأنّ الاختراعات التي قُدمت في فترات الحروب ومن أجل تحقيق تفوق على العدو، هي أضعاف من أُنتج في السلم، بل إنّ الإنترنت التي نستخدمها الآن هي بالأصل منتج حربي تمّ تعميمه فيما بعد.
لقد طُرح نفس السؤال عدد لانهائي من المرات على مواضيع جدلية مثل صناعة التدخين وصناعة الخمور وبيوت الدعارة وزراعة الحشيش وصناعة المضادات الحيوية وإعطائها للدواجن ..الخ
العالم الرأسمالي الاستهلاكي اليوم لا يعبأ بتحفظاتك وتحفظاتي، بل إنّه قدّم لنا أدوات تساعدنا في إدارة من نتحفّظ له، فقد أنتج لنا برامج مراقبة متطورة تستطيع من خلالها تقييد وصول الناس في البلد بأكمله لمواقع معينة، وهذه الأداوات موجودة لدى جميع الحكومات لكنها تستخدمها في الغالب لأغراض سياسية ولا تستخدمها لأمور أخلاقية مثلًا.