غاز ثنائي أكسيد الكربون
ثنائي أكسيد الكربون (أو كما يعرف بالاسم الشائع ثاني أكسيد الكربون) هو مركّب كيميائي من الأكسجين والكربون له الصيغة الكيميائيّة CO2. عند ظروف الضغط والحرارة القياسيّتين يكون ثنائي أكسيد الكربون على شكل غاز عديم اللون والرائحة، وهو غير قابل للاشتعال، وله صفة حمضية، كما أنه سهل الانحلال في الماء.
يشكّل غاز CO2 ما متوسّطه 0.040 % حجماً من الغلاف الجوّي، أي ما يعادل 400 جزء في المليون (سنة 2014).[4][5] كجزء من دورة الكربون، تستخدم النباتات والطحالبوالزراقم طاقة الضوء لتقوم بالتمثيل الضوئي للسكريّات من ثنائي أكسيد الكربون والماء، وينتج عن ذلك تكوّن أكسجين كناتج للعملية.[6] بالمقابل، فإن عملية التمثيل الضوئي لا تتمّ في الظلام، وتقوم النباتات بإنتاج ثنائي أكسيد الكربون ليلاً أثناء عملية التنفس الخلوي.[7] بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ثنائي أكسيد الكربون ينتج خلال زفير البشر وسائر الكائنات الهوائية. كما ينتج ثنائي أكسيد الكربون خلال عمليات تحلّل المواد العضويّة، وأثناء تخمّر السكريّات، وكناتج لاحتراق الخشب والسكريّات ومعظم الوقود الأحفوري الغنيّ بالكربون والهيدروكربون،كالفحم والخثّ والنفط والغاز الطبيعي. ينبعث CO2 أيضاً من البراكين والحمم والعيون الحمئة (السخّانات)، كما يتحرّر من صخور الكربونات عند إذابتها في الأحماض، بالإضافة إلى تواجده أيضاً في البحيرات، وفي أعماق البحار ممتزجاً مع ترسّبات النفط والغاز.[8]
تثير التأثيرات البيئيّة لثنائي أكسيد الكربون اهتمامات واسعة، حيث يُعدّ وجوده في الغلاف الجويّ عنصراً أوليّاً في استمرار الحياة على الأرض كمصدر للكربون، وهو بالمقابل، أحدغازات الدفيئة الهامّة. كانت عملية التمثيل الضوئي أساساً لتنظيم تركيز ثنائي أكسيد الكربون في عصر ما قبل الكمبري، وحتّى عصر ما قبل الثورة الصناعيّة. مع زيادة عمليّة احتراق الوقود الكربوني منذ الثورة الصناعيّة، زادت تراكيز ثنائي أكسيد الكربون بسرعة كبيرة، ممّا أدّى إلى الاحترار العالمي. من جهة أخرى، يعدّ ثنائي أكسيد الكربون مصدراً رئيسيّاً لعمليةتحمّض المحيطات، نظراً لذوبانه في الماء مكوّناً حمض الكربونيك.[9]
هناك العديد من التطبيقات لغاز ثنائي أكسيد الكربون، وذلك في الصناعات الغذائيّة، والصناعات النفطيّة والصناعات الكيميائيّة.[10] على سبيل المثال، يستخدم CO2 في إنتاج اليوريا، كما يستخدم في الصناعات الغذائيّة من أجل صناعة المشروبات الغازيّة والروحيّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ثنائي أكسيد الكربون فوق الحرج يستخدم كمذيب وكوسيلة للاستخلاص في الكيمياء، أمّا الثلج الجاف، وهو ثنائي أكسيد الكربون في الحالة الصلبة، فيستخدم كمادّة تبريد.
التاريخ
يعدّ ثنائي أكسيد الكربون أحد أوائل الغازات التي يتمّ وصفها كمادّة منفصلة عن الهواء، ففي القرن السابع عشر الميلادي، لاحظ الكيميائي يان بابتست فان هيلمونت أنّه عند حرق الفحم النباتي في وعاء مغلق، فإنّ وزن الرماد أقلّ بكثير من وزن الفحم النباتي الأصلي. اعتقد فان هيلمونت أن بقيّة الفحم النباتي تتحوّل إلى مادّة غير مرئية، وصفها بمصطلح «الروح الشاذّة» (spiritus sylvestre).[11]
درس الفيزيائي جوزيف بلاك خواص ثنائي أكسيد الكربون بشكل أكبر خلال خمسينات القرن الثامن عشر الميلادي، فوجد أنّ الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم) يمكن تسخينه أو معالجته بالأحماض لإنتاج غاز سمّاه «الهواء المُثَبَّت»، والذي وجد أنّه أكثر كثافةً من الهواء، ولا يساعد على الاشتعال، كما أنّه لا يؤمّن استمرارية حياة الحيوانات. لاحظ بلاك أيضاً أنّه عند قرقرة فقاعات من غاز ثنائي أكسيد الكربون في محلول من الجير المطفأ (محلول مائي مُشبّع من هيدروكسيد الكالسيوم)، فسيترسّب مركّب كربونات الكالسيوم. استخدم بلاك هذه الظاهرة ليوضّح أنّ ثنائي أكسيد الكربون ينتج عن تنفّس الحيوانات وعن التخمّر البكتيري، كما استطاع أن يبيّن أنّ الغازات يمكن لها أن تشارك في التفاعلات الكيميائيّة، ممّا أدّى لاحقاً إلى سقوط نظرية الفلوجستون.[12]
في سنة 1772 م، نشر الكيميائي جوزيف بريستلي ورقة بحثية بعنوان «إشباع الماء بالهواء المُثَبّت»، والتي وصف فيها عملية إسقاط قطرات من حمض الكبريتيك (أو زيت الزاج كما وصفه بريستلي) على الطباشير من أجل إنتاج غاز ثنائي أكسيد الكربون، ومن ثمّ إجبار الغاز على الذوبان عن طريق هزّ أو خضّ إناء يحوي على الماء، وذلك بتماس مباشر مع الغاز.[13]
سُيّل ثنائي أكسيد الكربون للمرة الأولى (تحت ضغوط عالية) بواسطة العالِمَين همفري ديفي ومايكل فاراداي سنة 1823 م.[14] أمّا أقدم وصف لثنائي أكسيد الكربون الصلب فقد كان على يد أدريان-جان-بيير تيلورييه سنة 1835 م، والذي وجد أنّ تبريد وعاء ضغط يحتوي على ثنائي أكسيد الكربون السائل يؤدّي إلى الحصول على ثلج من CO2 الصلب.[15]
الوفرة
يتوفّر ثنائي أكسيد الكربون في الطبيعة في كل من غلاف الأرض الجوي وغلاف الأرض المائي وغلاف الأرض الصخري وغلاف الأرض الحيوي. إنّ عنصر الكربون المهمّ لوجود الحياة على سطح الأرض يكون في حالة تبادل بين أغلفة الأرض المذكورة فيما يعرف باسم دورة الكربون. يوجد في الغلاف الجوي ما يقدّر بحوالي 800 غيغاطن من ثنائي أكسيد الكربون، أمّا الغلاف المائي فيحوي 38,000 غيغاطن، وذلك على شكل غاز منحلّ بشكل فيزيائي في الماء وعلى شكل بيكربونات وكربونات، في حين أنّ ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الصخري يكون مرتبطاً بشكل كيميائي في صخور الكربونات مثل الكالسيت والدولوميت، والتي تحوي ما يقدّر بستين ألف تيرّاطن من ثنائي أكسيد الكربون.
في الغلاف الجوي
يعدّ غاز ثنائي أكسيد الكربون أحد الغازات النزرة في تركيب غلاف الأرض الجوي، حيث أنّ تركيزه يبلغ ما متوسّطه 400 جزء في المليون حجماً، وذلك حسب قياسات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية NOAA على جزيرة مونا لوا في هاواي.[4][17] يتفاوت تركيز غاز CO2 وذلك بين المناطق القريبة من سطح الأرض والمناطق المرتفعة، كما يختلف تركيزه على أساس محلّي بين المدن والأرياف، وبين الدول الصناعيّة عن الدول غير الصناعيّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هناك اختلافاً في تركيز ثنائي أكسيد الكربون حسب شهور السنة، ففي نصف الأرض الشمالي يكون تركيز CO2 في قمّته في فصل الربيع، ويكون في أدنى مستواه في فصل الخريف، وذلك في دورة سنويّة متكرّرة.[18]
قبل حدوث ارتفاع في تركيز ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الأرضي نتيجة التأثير البشري، كانت تراكيز هذا الغاز في العصور الجيولوجية الماضية ترتفع مع ارتفاع درجات الحرارة العالميّة، وذلك على شكل تغذية راجعة إيجابيّة للتغيّرات الناجمة عن عمليات أخرى مثل تأثيرات مَيَلان محور الأرض كما فسّرها ميلانكوفيتش.[19] كان تركيز غاز CO2 في الجوّ قبل خمسمئة مليون سنة أكبر بحوالي 20 مرّة ممّا هو عليه الآن،[20] والذي تناقص إلى حوالي 4 إلى 5 مرات ممّا هو عليه الآن خلال العصر الجوراسي، ثمّ تناقص تدريجيّاً نتيجة حادثة أزولاقبل حوالي 49 مليون سنة مضت.[21][22] كان مستوى تركيز ثنائي أكسيد الكربون قبل 650 ألف سنة دائماً دون 280 جزء في المليون (ppm)، وبقي ثابتاً كذلك حتّى العشر آلاف سنة الأخيرة.[23]
يُطلق غاز ثنائي أكسيد الكربون بشكل مستمر إلى الغلاف الجوي من مصادر طبيعيّة. إنّ حوالي 40% من الغاز الذي ينبعث من البراكين خلال الثوران هو من ثنائي أكسيد الكربون.[24] يقدّر بأنّ البراكين تطلق ما يتراوح بين 130 إلى 230 مليون طن من CO2 إلى الغلاف الجوي كلّ سنة. على الرغم من ذلك، فإن غاز CO2 المنبعث من النشاطات البشريّة أكبر بحوالي 135 مرّة من الكمّيّات الصادرة عن البراكين.[25] كما ينتج ثنائي أكسيد الكربون من الينابيع الساخنة مثل الموجودة في موقع بوسوليتو Bossoleto، وذلك بالقرب من رابولانو تيرمي فيتوسكانا في إيطاليا، حيث أنّ تراكيز CO2 يمكن أن ترتفع بنسبة 75% ليلاً.[26]
أدّى النشاط البشري مثل قطع أشجار الغابات واستخدام الوقود الأحفوري كمصدر من مصادر الطاقة إلى ازدياد تركيز ثنائي أكسيد الكربون في الجوّ بحوالي 35% وذلك منذ بداية الثورة الصناعيّة.[27] في الفترة الزمنيّة بين سنتي 1960 و 2005 ازدادت نسبة غاز ثنائي أكسيد الكربون في الجوّ بمعدّل 1.4 جزء في المليون سنويّاً.[28] تعدّ صناعة الأسمنت أحد ثلاثة مصادر رئيسيّة لانبعاث ثنائي أكسيد الكربون في الجوّ وذلك بالإضافة إلى إنتاج الطاقة والمواصلات، حيث أنّه في سنة 2011 ساهمت صناعة الأسمنت عالمياً في حوالي 7% من انبعاثات CO2 البشريّة.[29] إنّ القيمة الحاليّة من تركيز ثنائي أكسيد الكربون هي أعلى قيمة منذ 15 إلى 20 مليون سنة
إنّ ما ينتجه البشر من غاز ثنائي أكسيد الكربون يبلغ سنوياً حوالي 36.3 غيغاطن،[28] وهو جزء صغير بالمقارنة مع المصادر الطبيعيّة، حيث ينتج منها سنويّاً 550 غيغاطن.[31] ولكن بالمقابل، فإنّ تصريف الكربون الطبيعي يستهلك قسماً كبيراً من الإنتاج الطبيعي في دورة الكربون الطبيعيّة، لذلك فإنّ التركيز قبل الثورة الصناعيّة كان ثابتاً. إنّ كمّيّة ثنائي أكسيد الكربون الفائضة يُستهلك حوالي نصفها في غلاف الأرض الحيوي والمحيطات، والتي كانت في السابق في حالة توازن بين الإنتاج والاستهلاك، ولكن الازدياد في تركيز CO2 أدّى إلى كونها في الوقت الحالي تستهلك أكثر مما تنتج.[32] أمّا النصف الثاني، فتبقى في الغلاف الجوي، وهي التي تؤدّي إلى ازدياد قيمة التركيز، والتي بدأ العالم تشارلز كيلينغ في إظهارها في ما يعرف باسم منحنى كيلنغ بدءاً من ستّينات القرن العشرين.
إنّ المسبّب الرئيسي للاحترار العالمي الحالي هو من تأثير بشري (أنتروبوجيني) على البيئة، وذلك بسبب توسّع ظاهرة الاحتباس الحراري،[33] والتي تنتج عندما يقوم الغلاف الجوّي الأرضي باحتباس الإشعاع الحراري الصادر عن الأرض تجاه الفضاء.[34] يكون غاز ثنائي أكسيد الكربون شفّافاً تجاه أشعّة الضوء القادمة من الشمس، حيث لا يمتصّ في مجال الأشعّة فوق البنفسجيّة، لكنّه يمتصّ الأشعّة تحت الحمراء الصادرة عن الأرض، بالتالي فإنّ غاز ثنائي أكسيد الكربون هو أحد الغازات الدفيئة، وهو يشكّل حوالي 60% من الغازات المؤثّرة على الاحتباس الحراري.[35][36]إنّ الطاقة الممتصّة تتحوّل في مجال هذه الأشعّة إلى حركات اهتزازيّة، ممّا يؤدّي لاحقاً إلى حدوث تصادمات على المستوى الجزيئي، والذي يؤدّي في النهاية إلى رفع درجة حرارة الغلاف الجوي.[37] تشير العديد من الدراسات إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 0.3-0.6°م منذ أواخر القرن التاسع عشر، بسبب ازدياد تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون، ممّا أدّى بذلك إلى ارتفاع منسوب البحر بمعدّل 10-25 سم خلال المئة سنة الأخيرة نتيجة ذوبان الجليد القطبي ، ولوحظ أيضاً ارتفاع طفيف في متوسّط الهطول المطري العالمي في القرن العشرين، وازدياد نسبة الأجزاء من العالم التي تتعرّض لموجات من الجفاف أو الفيضانات منذ عام 1970.[38] إنّ تبعات الاحترار العالمي هذه يمكن الحدّ منها عن طريق اتّباع سياسات حماية المناخ في الدول المعنيّة.
في الغلاف المائي
تحوي مياه المحيطات على ثنائي أكسيد الكربون بالشكل المنحلّ (فيزيائياً)، كما تحويه على شكل حمض الكربونيك والذي يكون في حالة توازن كيميائي مع البيكربونات والكربونات. تتغيّر الكمّيّة المنحلّة مع تغيّر فصول السنة، إذ أنّها تتعلّق بدرجة حرارة المياه وبكمّيّة الأملاح المنحلّة، حيث أنّ الماء البارد له القدرة على حلّ كمّيّة أكبر من ثنائي أكسيد الكربون. بما أنّ للماء البارد كثافة أكبر من الماء الدافئ، بالتالي فإنّ الماء غنيّ المحتوى بثنائي أكسيد الكربون يتركّز في الطبقات السفلى. تتناقص مقدرة مياه المحيطات على استقبال كمّيّات من CO2 مع ارتفاع درجة الحرارة، وهذا ما يحصل حتّى عند ضغوط مرتفعة في أعماق المحيطات وذلك بالقرب من الأنابيب البركانيّة.[40]
يوجد في المحيطات كمّيّات من ثنائي أكسيد الكربون تفوق التي هي موجودة في الغلاف الجوّي للأرض بحوالي 50 مرّة. بناءً على هذا الأمر، فإنّ المحيطات تعدّ أكبر مصرّف للكربون، حيث يستقبل حوالي ثلث الكمّيّة المنتجة بشريّاً من غاز CO2.[41][42] إنّ ازدياد الكمّيّة المنحلّة من ثنائي أكسيد الكربون في مياه المحيطات تؤدّي إلى انخفاض قلويّة الماء المالح، وتعرف هذه الظاهرة باسم تحمّض المحيطات، ويخشى أن يؤثّر ذلك بشكل سلبي على الأحياء التي تحوي على الكلس مثلالصدف البحري.[43] من جهة أخرى، هناك أنواع من الصدف البحري أظهرت ردود أفعال مغايرة لارتفاع تركيز CO2 في المياه، حيث أنّها تكاثرت بشكل أكبر
في المياه العذبة
يمكن للمياه العذبة نتيجة شروط جيولوجيّة معيّنة أن تحوي كمّيّات كبيرة من غاز ثنائي أكسيد الكربون، وذلك مثل مياه الينابيع المعدنيّة أو في العيون الحمئة (الحِمَام). في حالات نادرة، يمكن لكمّيّات من غاز ثنائي أكسيد الكربون أن تسبّب حوادث بالقرب من هذه الأماكن، كما حصل سنة 1986 في بحيرة نيوس في الكاميرون
خارج الغلاف الأرضي
يتكوّن الغلاف الجوي لكوكب الزهرة بشكل شبه كامل (96.5 %) من ثنائي أكسيد الكربون، وذلك عند ضغط مقداره حوالي 90 بار. من جهة أخرى، فإن درجة حرارة السطح لهذا الكوكب الأقرب إلى الشمس من الأرض تبلغ 480 °س، ويعود ذلك إلى خاصّيّة الاحتباس الحراري التي يوفّرها الغلاف الجوّي من CO2.[46] يشكّل ثنائي أكسيد الكربون حوالي 95% أيضاً من الغلاف الجوي لكوكب المرّيخ،[47] بحيث يكون في أقطاب كوكب المريخ على شكل ثلج جاف. على الرغم من أن الضغط الجوّي لغاز ثنائي أكسيد الكربون على سطح المريخ منخفض، حيث يبلغ فقط حوالي 7 ميلي بار، إلاّ أنّ ظاهرة الاحتباس الحراري لهذا الغاز تؤثّر في رفع درجة حرارة السطح إلى حوالي 5 °س. إنّ الأغلفة الجوية للكواكب المتطرّفة وأقمارها تحوي على كمّيّات من ثنائي أكسيد الكربون، والتي أتت من ارتطام المذنّبات والأجرام السماويّة مثل شوميكار-ليفي 9 على سطح تلك الكواكب ومن الغبار الكوني.[48][49] بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ثنائي أكسيد الكربون يوجد في الكواكب خارج المجموعة الشمسيّة، حيث أعلنت ناسا وجود CO2 على الكوكب HD 189733 b وذلك باستخدام مرصد هابل الفضائي.[50]
عُثر على ثنائي أكسيد الكربون في كلّ من الأوساط بين النجميّة والأقراص الكوكبيّة المحيطة بالنجوم حديثة الولادة.[51] تحدث عملية التشكّل هذه من التفاعلات الجارية على السطح بين أحادي أكسيد الكربون والأكسجين على جسيمات من الجليد عند درجات حرارة تبلغ -123 °س (150 كلفن)، حيث أنّه عند تبخّر الجليد يتحرّر غاز ثنائي أكسيد الكربون.[52] بالمقابل، فإنّ تركيز CO2 في مناطق الأوساط بين النجميّة البعيدة عن النجوم يكون قليلاً، حيث أنّه يتفاعل مع الهيدروجين الذرّي والجزيئي ليشكّل الماء وأحادي أكسيد الكربون.
التحضير والإنتاج
إنّ حرق الوقود الحاوي على الكربون، خاصّةً من الوقود الأحفوري، يعطي كمّيّات من غاز ثنائي أكسيد الكربون، وعلى هذا النحو، ينتج سنويّاً ما مقداره حوالي 36 مليار طن. ينتج غاز ثنائي أكسيد الكربون كناتج ثانوي من قمين الجير، وذلك عند حرق الجير (كربونات البوتاسيوم)، حيث أنّ هذه العمليّة تعطي حوالي 530 مليون طن سنويّاً. بما أنّ أبحاث احتجاز وتخزين ثنائي أكسيد الكربون لا زالت في المستوى البحثي، ولم تطبّق على شكل تجاري، فإنّ الكمّيّة المنتجة من ثنائي أكسيد الكربون تنتقل إلى الغلاف الجوّي.[54]
ينتج غاز ثنائي أكسيد الكربون من تفاعل الكربون مع الأكسجين:
إنّ تفاعل الأكسدة أعلاه يحدث عند احتراق كلّ أنواع الوقود الحاوية على الكربون، مثل الميثان (الغاز الطبيعي) وكل قطفات تقطير النفط (من البنزين والديزل والكيروسين وغيرها)، بالإضافة إلى الفحم والخشب والمواد العضويّة الأخرى.
كما يعطي تكليس الجير عند تسخينه إلى درجات حرارة فوق 850 °س غاز ثنائي أكسيد الكربون:
على المستوى الصناعي، ينتج ثنائي أكسيد الكربون بعدّة طرق على كافّة المستويات، وغالباً على شكل ناتج ثانوي من إنتاج الأمونياك في عملية هابر-بوش ومن إنتاج الهيدروجين في عمليّات تغويز الفحم وإصلاح البخار في محطّات إنتاجالغاز الطبيعي، حيث يُحصل على ثنائي أكسيد الكربون كناتج من تفاعل انزياح ماء-غاز، والمستخدَم من أجل تحضير غاز الاصطناع.[56]
تقوم الخميرة باستقلاب السكّر لإنتاج الإيثانول، وينطلق غاز ثنائي أكسيد الكربون نتيجة لذلك:
يستخدم التفاعل أعلاه أثناء إنتاج الكحول والمشروبات الروحيّة، كما يعدّ الأساس في إنتاج الإيثانول الحيوي.
على المستوى المخبري، فقد كان ثنائي أكسيد الكربون في السابق ينتج مخبريّاً من أثر حمض الهيدروكلوريك على كربونات الكالسيوم، وذلك في جهاز كيب على سبيل المثال.
أمّا في الوقت الراهن، فيمكن الحصول على غاز CO2 ضمن أسطوانات أو على شكل الثلج الجاف الصلب.
الدور الحيوي
إنّ ثنائي أكسيد الكربون هو ناتج عملية التنفس الخلوي في الأحياء التي تحصل على الطاقة من تكسير سلاسل السكريات والدهون والأحماض الأمينيّة بواسطة الأكسجين وذلك كجزء من عملية الاستقلاب. تشمل هذه الأحياء كل من النباتاتوالطحالب والفطور الهوائيّة، والبكتريا، بالإضافة إلى الحيوانات والبشر.
الصناعات الغذائيّة
يستخدم ثنائي أكسيد الكربون كمضاف غذائي وذلك في العموم كمحتوى غازي في المشروبات ومن أجل تنظيم الحموضة في الصناعات الغذائيّة، حيث أنّ إضافته أمر موافق عليه من الجهات الرسميّة في عدّة دول في الاتحاد الأوروبي، إذ أنّ له رقم إي E290.[90] كما أنّه من الإضافات الغذائية في الولايات المتّحدة الأمريكيّة،[91] وفي أستراليا ونيوزيلندا.[92]
ينشأ غاز ثنائي أكسيد الكربون في الجعة (البيرة) والنبيذ الفوّار نتيجة التخمّر، أمّا في المشروبات الغازيّة الأخرى مثل شراب الليمون الغازي أو المياه المكربنة أو الكولا فإنّ غاز ثنائي أكسيد الكربون يضاف بشكل صناعي على الأغلب، وفي بعض الأحيان بإضافة مياه معدنية حاوية على غاز CO2 بشكل طبيعي. عادةً ما يضاف ثنائي أكسيد الكربون إلى المشروبات الغازيّة في منشآت صناعيّة مجهّزة، ولكن مؤخّراً أصبح بالإمكان استخدام أجهزة تمكّن من القيام بعملية الكربنة على الصعيد المكتبي أو المنزلي.
تقوم فطريات الخميرة بعملية تخمير للسكّر وتطلق بذلك غاز ثنائي أكسيد الكربون، لذلك فإنّ الخميرة هي من عوامل النفاشية المستخدمة من أجل تحضير عجينة الخبز. إنّ مسحوق الخَبْز، والذي هو عبارة عن مزيج منبيكربونات الصوديوم مع ملح له صفة حمضيّة، يقوم بإطلاق غاز ثنائي أكسيد الكربون عند التسخين في الفرن.
يستخدم الثلج الجاف، وهو الشكل الصلب من ثنائي أكسيد الكربون، كمادّة تبريد للعنب المقطوف، دون الحاجة إلى استخدام الماء، وذلك لتجنّب حدوث تخمّر.[93] بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ضبط نسبة غاز ثنائي أكسيد الكربون إلى الأكسجين في مستودعات الأغذية يمكّن من تخزين الفواكه والخضراوات لمدّة أطول. ففي ثلاثينات القرن العشرين أُسّس أوّل مستودع، له ميزة الغلاف الموجّه بحيث يمكن ضبط نسبة O2 و CO2 في بريطانيا.[94] كما يستخدم غاز CO2 كوسط من أجل حفظ اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان. تتفاوت النسبة المستخدمة حسب نوع المادّة الغذائيّة، فهي تبلغ 20% بالنسبة للحم البقر، و50% بالنسبة للحم العجل، و60% بالنسبة للمعجّنات، 80% بالنسبة للأسماك. تجدر الإشارة إلى أنه لا تستخدم نسبة كاملة 100% من غاز ثنائي أكسيد الكربون لحفظ المواد الغذائيّة، وذلك من أجل تجنّب تشكّل الجراثيم اللا هوائية، كما أنّ هذا الأمر يؤثّر على لون وعلى طعم المنتج الغذائي. لا تزال الأبحاث مستمرة في مجال صناعة الغذاء للحصول على التركيب الأمثل من الغازات الحافظة.[95][96]
يعدّ ثنائي أكسيد الكربون في الحالة فوق الحرجة أحد وسائل الاستخلاص، وهو يستخدم من أجل عملية نزع الكافيين من القهوة
إطفاء الحرائق
يستخدم ثنائي أكسيد الكربون من أجل إطفاء الحرائق، حيث أنّ بعض مطافئ الحريق، وخاصّة التي تستخدم من أجل الحرائق الكهربائيّة، تحوي في أسطواناتها على ثنائي أكسيد الكربون السائل الموضوع تحت الضغط. بالمقابل، فإنّ مطافئ الحريق الحاوية على ثنائي أكسيد الكربون السائل غير مناسبة لإطفاء الحرائق الكبيرة والتي فيها مواد قابلة للاشتعال، لأنّها تقوم بحجب الأكسجين فقط، دون أن تقوم بدور تبريدي. يمكن استخدام ثنائي أكسيد الكربون في إطفاء الحرائق على نطاق فردي ضيق، كما يستخدم في مجال الوقاية ضد الحرائق في السفن وغرف المحركّات.
من جهة أخرى، فإنّ استخدام ثنائي أكسيد الكربون كوسيلة للإطفاء يمكن أن يؤدّي إلى الاختناق في حال وجود تراكيز مرتفعة منه، حيث وجدت دراسة أمريكيّة أنّ استخدام أنظمة CO2 في إطفاء الحرائق قد سبّب 51 حادثة بين سنتي 1975 و 1997، من ضمنها 72 حالة وفاة و145 إصابة
السمّيّة واحتياطات الأمان
إنّ غاز ثنائي أكسيد الكربون CO2 ليس من الغازات السامّة أو المؤذية وذلك حسب النظام العالمي المتوافق لتصنيف وترميز المواد الكيميائيّة (GHS) التابع للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا UNECE، وحسب معايير منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي OECD لاختبار المواد الكيميائيّة.
عند تراكيز تصل إلى 1% (10,000 جزء في المليون ppm)، فإنّ بعض الأشخاص يشعرون بالنعاس وفقدان الوعي التدريجي.[115] أمّا عند تراكيز تتراوح بين 7% إلى 10% فيمكن حدوث اختناق، حتّى رغم وجود كمّيّات كافية من غاز الأكسجين، ويصاحب ذلك أعراض مثل الدوخة والصداع وحدوث اضطرابات سمعيّة وبصريّة، ويمكن أن تنتهي بفقدان الوعي الذي قد يدوم من بضع دقائق إلى ساعة.[116] إنّ التأثيرات الفيزيولوجيّة للتعرّض لمستويات مرتفعة من CO2 يمكن أن يعبّر عنها باسم فرط ثنائي أكسيد الكربون في الدمHypercapnia، وهو أحد أنواع مظاهر الاختناق.
يجب أخذ الحذر في الأماكن التي يتسرّب فيها غاز CO2 من الأرض بالقرب من أماكن البراكين والنشاطات الجيوحراريّة، حيث أنّ ثنائي أكسيد الكربون أثقل من الهواء، بالتالي فإنّه يمكن أن يصعد من الطبقات القريبة من سطح الأرض بتراكيز عالية نسبياً، ويتجمّع بشكل يمكن أن يؤدّي إلى اختناق الحيوانات. وقد سُجّل وقوع حوادث وفيّات لأطفال في القارّة الأفريقيّة في مدينة غوما، وذلك نتيجة التعرّض لانبعاثات من غاز ثنائي أكسيد الكربون المحتجز في تجاويف بالقرب من بركان نيراجونجو في جمهورية الكونغو الديمقراطية.[117] يطلق على هذه الظاهرة في اللغة السواحلية اسم مازوكو mazuku، والتي تعني الريح الشرّيرة.
هناك القليل من الدراسات التي تهتمّ بالتأثيرات الصحيّة على الإنسان والحيوانات نتيجة التعرّض المستمرّ والطويل لتراكيز من CO2 تحت 1%، وذلك على الرغم من وجود احتماليّة خطورة كبيرة للبشر في المستقبل القريب مع ارتفاع مستويات غاز ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي المترافق مع تغير المناخ.[118] يبلغ الحدّ الأعظمي المهني من مستويات التعرّض لغاز CO2 في الولايات المتّحدة الأمريكيّة 0.5% (5000 جزء في المليون ppm) وذلك لمدّة ثمان ساعات.[119] عند هذا المستوى من التركيز أصيب طاقممحطة الفضاء الدولية بالصداع والنعاس والخبول الفكري والتشوش العاطفي، بالإضافة إلى حدوث اضطرابات في النوم.[120] تشير الدراسات على الحيوانات التي تتعرّض لمستويات تبلغ 0.5% من CO2 حدوث تكلّس بالكلى وهشاشة العظام بعد ثمانية أسابيع من التعرّض.[121] أظهرت دراسة أخرى أن تعرّض البشر في فترات مدتها 2.5 ساعة يؤدّي إلى حدوث تأثيرات بالغة الأثر على القدرات الإدراكية عند تراكيز أقل من 0.1 % من CO2، ويعود ذلك إلى العلاقة بين تركيز ثنائي أكسيد الكربون ومعدّل جريان الدمّ في الدماغ
المصدر ويكيبيديا