ترجماترياضة

منتخب الديكتاتور

في أحد الأيام بعد الظهر من شهر شباط / فبراير البارد، يجلس أحد أهمّ لاعبي كرة القدم في سوريا خارج مركز تجاري على الخليج العربي، مكبّلًا بقرار يخشى أنه قد يودي بحياته.

لخمس سنوات، قاطع فراس الخطيب منتخب سوريا احتجاجًا على الديكتاتور بشار الأسد، الذي قصف وحاصر مسقط رأس الخطيب.

الآن، فجأة، يبدو أن الخطيب يفكر في تغيير رأيه. إنه يفكر في الانضمام مرة أخرى إلى منتخب سوريا للمشاركة في الدور النهائي للتأهل لكأس العالم العام المقبل. دوافعه معقدة، وهو متردد في التعبير عنها.

يقول الخطيب: “أنا خائف، أنا خائف، في سوريا الآن، إذا تحدّثت، سيقتلك شخصٌ ما، سيقتلونك لأجل ما تفكر فيه أو تقوله، وليس من أجل فعلك فعل محدّد.”

لقد كسب الخطيب الملايين من لعبه كمحترف في الكويت، إنّ المستوى الفاره للمركز التجاري الذي يجلس فيه الآن ينبئنا بمستوى الثراء الذي وصل له، لكن الخطيب يبدو مسحوقًا تحت وطأة مشكلته، التي يناقشها على مدى يومين من المقابلات، ويقول لنا: “كل يوم قبل النوم، ربما ساعة أو ساعتين، أفكّر في هذا القرار فقط”.

يُخرج الخطيب هاتفه ليظهر صفحته على الفيسبوك التي تتلقى يوميا مئة رسالة. حتى أن بعض أصدقائه المقربين على استعداد للانقلاب عليه، وقال نهاد سعد الدين، أحد اللاعبين الذين نشأ معهم، إنه إذا عاد الخطيب إلى سوريا “فسوف يهوي إلى مزبلة التاريخ مع كل من يدعم المجرم بشار الأسد”، ويتوعّد سعد الدين بعدم التحدث مع الخطيب مرة أخرى.

في وقت ما خلال الـ 36 يومًا القادمة، عندما تلعب سوريا مباراتها التالية، يجب على الخطيب أن يختار بين أمرين أحلاهما مرّ.

إذا عاد إلى سوريا، فسيكون قائد الفريق واللاعب الأكثر أهمية في سعي بلاده للتأهل لكأس العالم للمرة الأولى. وسيمثل أيضًا حكومة استخدمت كرة القدم كسلاح لتعزيز حكمها الدموي، إلى جانب غاز الأعصاب والتعذيب والاغتصاب والمجاعة وقصف المدنيين.

أمّا إذا واصل مقاطعته، فسوف ينحاز إلى المعارضة وهي في حالٍ معقّدة حيث بدأت بمظاهرات سلمية، ثم انقسمت إلى عدّة جهات من بينها السلمي ومن بينها المسلح، والمسلّح يشمل بعض فروع تنظيم القاعدة.

يقول الخطيب: “الآن، في سوريا، هناك العديد من القتلة، وليس واحداً أو اثنين فقط وأنا أكرههم جميعًا، مهما حدث، فإن 12 مليون سوري سيحبونني و 12 مليون آخرين سيريدون قتلي”.

خلال ست سنوات من الحرب في سوريا، توفي ما لا يقل عن 470،000 سوري، وانخفض متوسّط ​​العمر المتوقع في البلاد من 70 سنة إلى 55 عامًا. أيضًا خرج من سوريا أكثر من 12 مليون نازح أي ما يقرب من نصف السكان، بسبب همجية بشار الأسد.

وتدّعي حكومة النظام السوري أنّ كرة القدم هي المكان الوحيد الذي يمكن فيه للسوريين من جميع الأطراف أن يتّحدوا بسلام، يقول بشار محمد المتحدّث باسم منتخب البراميل السوري: “كرة القدم هي حلم يجمع الناس معًا، فهو يعطي الناس ابتسامة ويساعدهم على نسيان رائحة الدمار والموت”.

قتلت الحكومة السورية إما بإطلاق النار المباشر أو القصف أو التعذيب حتى الموت على الأقل 38 لاعبًا من أعلى ناديين في الدوري، وعشرات آخرين من الألعاب والنوادي الأقلّ شعبية، وذلك وفقًا للمعلومات التي جمعها أنس عمو، وهو كاتب رياضي سابق من حلب يوثق انتهاكات حقوق الإنسان التي تشمل الرياضيين السوريين، ويقول أيضًا إنّ هناك ما لا يقل عن 13 لاعبًا مفقودين.

يُذكر أنّ المعارضة أيضًا تسببت بمقتل أربع رياضيين سوريين آخرين، وبالمحصّلة فقط خلصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أنّ حكومة الأسد “استخدمت الرياضيين والأنشطة الرياضية لدعم الممارسات القمعية الوحشية”. وكذلك استخدمت ملاعب كرة القدم كقواعد عسكرية لشن هجمات على المدنيين.

منذ بداية الحرب، وفقا للاعبين، اضطرت الفرق إلى الخروج في مسيرات لدعم الأسد، حاملين لافتات ومرتدين قمصان تحمل صورة الرئيس.

يقول عمو: “كان الأسد حريصًا على إظهار أنّ الرياضيين والفنانين يدعمونه بقوّة لأنّ هؤلاء هم أكثر الناس تأثيرًا في الشارع، وقد كانت المسيرات كانت إجبارية”.

واستند تحقيق إسبن إلى مقابلات مع لاعبين حاليين وسابقين، ومسؤولين سوريين حاليين وسابقين في كرة القدم، وأصدقاء وأقارب الضحايا، فضلا عن استعراضات لدراسات الحالة وأشرطة الفيديو المتاحة للجمهور التي أكدها مراقبو حقوق الإنسان. حيث أجريت المقابلات بين أيلول/ سبتمبر 2016 وآذار/ مارس 2017 في ماليزيا وألمانيا وتركيا والسويد والكويت وكوريا الجنوبية.

قُدّمت الادّعاءات بأن سوريا تنتهك قواعد الفيفا المحظورة للتدخل السياسي في القضايا المتعلقة بكرة القدم في عام 2015، وقد استندت الفيفا إلى تلك القواعد 20 مرة خلال العقد الماضي لتعليق دول عن المشاركة الدولية. ولكن في حالة اتهامات سوريا، التي كانت موجودة في وثيقة بعنوان “جرائم الحرب ضد لاعبي كرة القدم السوريين“، ردّت الفيفا بأن “الظروف المأساوية تتجاوز بكثير نطاق القضايا الرياضية” واستنتجت أن القضية خارجة عن سيطرتها. ورفض مسؤولو الفيفا التحدث إلى ESPN ولكنهم أصدروا بيانًا يقولون فيه إن المنظمة محدودة في اختصاصها وقدرتها على التحقق من أية اتهامات في وضعٍ معقّد مثل هذا.

يقول اللاعب السوري أيمن قاشيط والذي كان قد قدّم الادعاءات إلى مقرّ الفيفا في زيوريخ: “هناك تناقض بين قرارات الفيفا وقوانينها، إنّهم يصدرون توجيهًا لتجميد اتحاد بسبب التدخل السياسي، في الوقت نفسه تحدث حرب شاملة في بلد حيث يتم استخدام الملاعب لتخزين المعدات العسكرية، وحيث يموت الأطفال ولاعبو كرة القدم تحت سن 18 عامًا، وحيث يتمّ سجن لاعبي كرة القدم. كلّ هذا يحدث وهناك أدلة وافرة، ولكن أين القرار؟ هذا هو النفاق!”.

مارك أفيفا، محام متخصص في قوانين الرياضة يقول” “إنّ سوريا تمثل حالة واضحة للتدخل الحكومي في كرة القدم المحلية والدولية، ومع ذلك اختارت الفيفا عدم التصرف. ببساطة، ليس لديها الجرأة للتورط في ما هو بوضوح قضية شريرة جدًا”.

فادي دباس، نائب رئيس اتحاد كرة القدم السوري ورئيس بعثة الفريق الوطني، يرفض جميع الادّعاءات ويصفها بأنها “ليست صحيحة على الإطلاق” ويقول إنها افتعلت من قبل لاعبين في المنفى يعارضون الأسد، ويقول “النظام يحمي الشعب السوري، ومشكلتهم أنهم خارج سوريا ويمثلون أنفسهم فقط”.

إن وجود سوريا في تصفيات كأس العالم قد خلق صراعًا أخلاقيًا ليس فقط بالنسبة إلى فيفا ولكن أيضا للاعبين والمشجعين. بعد فرار اللاعبين والمشجعين خارج البلاد.

منتخب سوريا هو مثل طفل منبوذ، ينتقل من منزل حاضنة إلى أخرى، تلعب سوريا عادة مبارياتها في دمشق أو حلب، لكن فيفا لن يسمح لها لأنها لا تستطيع ضمان سلامة اللاعبين والمشجعين، وبعد أن قضت الجولة الثانية من التصفيات الآسيوية في عمان، لم تتمكن سوريا من العثور على مضيف لها في الشرق الأوسط بأكمله. وقبل أيام المباراة الأولى، عرضت ماكاو استضافتها، ثمّ استقر الأمر إلى مدينة سيرمبان في ماليزيا، وهي مدينة صناعية تبعد عن سوريا بنحو عشرة آلاف كيلومتر.

وبالنظر إلى التحديات الأخرى، فقد اضطر الفيفا إلى تجميد أموال التنمية لسوريا بسبب العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى على البلاد. وقال قتيبة الرفاعي السكرتير العام للفريق في سيرمبان إن الفريقيلعب على ملعب محلّي متواضع لتجنّب دفع رسوم الأستاد الرسمي البالغة 3،500 دولار.

تقدمت سوريا إلى الجولة الثانية بتحقيقها المركز الثاني خلف اليابان. ونشرت فيفا قصصًا عنها باعتبارها المنتخب الخارق متحدثين عن النضال البطولي للفريق لبلوغ كأس العالم. لكن تترك هذه القصص تفاصيل مهمة هي أنّ فريق سوريا يمثل حكومة متهمة بارتكاب جرائم حرب ضد شعبها.

وقد تبنى الفيفا بشكل أساسي موقف نظام الأسد الذي يؤكد أن المنتخب الوطني السوري محايد سياسيًا. يقول دباس، رجل الأعمال السوري الذي يرأس الوفد، إن الهدف الأساسي للفريق، الذي يتجاوز التأهل لكأس العالم، هو “جمع السوريين معًا” و “إثبات للعالم أن سوريا على ما يرام، وأن سوريا لديها نبض “. ويمثل الفريق “كل سوريا”.لكن مع ذلك يعود دباس ليوضح أنّ سوريا تلعب “لرئيسنا” وهي موالية للأسد. وأضاف “إن أي سوري داخل سوريا يمثل الرئيس بشار الأسد ويمثلنا فخامة الرئيس بشار الأسد ونحن فخورون برئيسنا ونحن فخورون بما حققه ونريد أن نرسل له تحياتنا وشكرنا لما فعله لسوريا، ونحن وراءه وتحت قيادته”.

هناك إشارات عديدة إلى أن المنتخب الوطني السوري لا يمثل رؤية موحدة لسوريا، بل فقط لسوريا المفيدة وفق رؤية نظام بشار. في تشرين/ نوفمبر 2015 في سنغافورة، ظهر المدرّب فجر إبراهيم في مؤتمر صحفي يرتدي قميصًا يحمل صورة الأسد.

بدأ إبراهيم حديثه في مقابلة مع إسبن في كوالالمبور بعبارات في مديح الأسد، وقال “إننا نعرف أن رئيسنا هو الرجل المناسب ورجل عظيم جدًا، وبدون رئيسنا، ستدمّر سوريا”.

وردًا على سؤال حول مدى ملاءمة استخدام مسابقة كأس العالم للادلاء ببيانات سياسية، قال ابراهيم “إن كل شيء مرتبط الآن بكل شيء”.

نظرًا للضغوط داخل سوريا، حيث تم تعذيب وقتل آلاف الأشخاص بسبب معارضتهم للرئيس الأسد، يصعب تقييم صدق أولئك المتورطين مع الفريق وما هي آراؤهم. يعمل أنس عمو، الكاتب الرياضي السابق ذو الصلات الوثيقة الذي وثق جرائم حقوق الإنسان ضد الرياضيين السوريين، كوكيل رياضي في مرسين، تركيا. يقول إن بعض لاعبي المنتخب الوطني لديهم أفراد عائلتهم تم اعتقالهم أو قتلهم على يد النظام. “فهم مضطرون بشكل أساسي للعب، وإلا قد يقومون بقتل أقاربهم”، يقول عمو، مطالبًا بعدم الكشف عن أسماء اللاعبين لحمايتهم وعائلاتهم. يقول عمو إنه يعلم بوجود لاعبين في الفريق الوطني يلعبون خوفًا من أن يُمنع الحكومة، التي تتحكم في وثائق سفرهم، من إصدار جوازات سفرهم، مما يجعلهم غير قادرين على اللعب في الخارج. ويقول عمو إن بعض اللاعبين آخرين هم موالون بالفعل للأسد. ويعتقد عمو أنه إذا تم منح اللاعبين جوازات سفر مستقلة، فسوف ينشق عدد كبير منهم.

في الجانب الآخر من العالم

في بعد ظهيرة ممطرة وباردة في شباط/ فبراير، يتجمع نحو اثنين وعشرين لاجئًا سوريًا في غرفة تبديل الملابس لنادي إس في بوخهولتس، وهو نادي رياضي للهواة يلعب في درجة منخفضة من كرة القدم الألمانية تسمى Bezirksliga. المبنى الذي يتألف من طابق واحد، ضيق ورمادي، موجود في جانب سكني من شوارع شمال شرق برلين. وراءه يقع ملعب كرة القدم. يستخرج السوريون، واحدًا تلو الآخر، قمصانهم الخضراء من كيس ورقي مجعد. علم سوريا الحر- الذي يحوي ثلاث نجوم حمراء -.

على الأقل اثنان من هذه الفرق “سوريا الحرة” شاركوا في مباريات استعراضية في تركيا وألمانيا. تمثل هذه الفرق، التي تشمل أشخاصًا خبراء في الدوري السوري الممتاز، جزءًا من تجمع لاجئين سوريين ارتفع إلى ما يقرب من 6 ملايين شخص – تقريبًا سكان ولاية ماساتشوستس.

وفقًا للمدرب نهاد سعد الدين يُمثل الفريق في ألمانيا “الشعب الذي تم قمعه من قبل النظام” بما في ذلك “الرياضيين الشهداء الذين قدموا حياتهم من أجل الوطن”، ويقول: “هذا الفريق، إن شاء الله، سيكون الممثل الرسمي لسوريا الحرة”.

يصل اللاعبون من إس في بوخهولتس واحدًا تلو الآخر، مستريحين وبلا هم. الموسيقى الإلكترونية تنبض من غرفتهم، مما يجعل الشعور وكأن المبنى بأكمله ينبض بالحياة. يكونون ذوي شعر أشقر وجسد رشيق، كما لو كانوا قد خرجوا من كتيب سياحي ألماني. السوريون، حتى في زيهم الرياضي الجديد، يبدون غير مرتبين ومكسورين، مجموعة من الأفراد الذين انخرطوا معًا لقضية. يقول سعد الدين: “اللاعبون الذين هم هنا، هناك عدد كبير منهم كانوا مصابين أو محتجزين”. المدرب، البالغ من العمر 35 عامًا ويبدو أكبر بعشر سنوات، بشعر أسمر رفيع وعيون مظلمة. كان لاعب وسط في سوريا لفترة طويلة، لكنه لا يستطيع اللعب الآن. يقول سعد الدين إنه تعرض لإصابة في الركبة برصاص قناص خلال حصار الحكومة لمدينة حمص، ثم أصيب مرة أخرى عندما ضربت قذيفة صاروخية أثناء إجلاء النساء والأطفال من مبنى سكني. عندما وصل إلى النمسا، حيث يعيش الآن، اكتشف الأطباء وجود خمس فقرات متصدعة.

يقدم سعد الدين كلمته التحفيزية في غرفة تبديل الملابس: “رفاق، لدينا قضية، وآمل أن يكون الجميع على مستوى المهمة – لإظهار للناس جريمة هذا النظام، ما فعلوه بالرياضيين والمعتقلين؛ إنه واجبنا أن نتحدث عنهم. … نحن بحاجة لجعل أصواتنا مسموعة، أن نقف معًا لكشف هذا النظام للعالم، أن هناك ثورة وهناك رياضيين حرين. عندما تقول إنك من فريق سوريا الحرة، فأنت تمثل ملايين.”

أحد لاعبي سوريا الحرة، جابر الكردي، اعتقله النظام عام 2013 في مدينة حماة، حيث كان يلعب لفريق الطليعة. ويقول الكردي إنه يدعم المعارضة لكنه لم يطلق النار قط. “هل تعتقد أن هذه الأيدي يمكن أن تحمل سلاحا؟” قال وهو يرفع راحتيه الورديتين. “يد الفتاة أكبر من يدي.” يقول الكردي إنه حضر الاحتجاجات وقدم الملابس والمأوى للنازحين: “أنا لا أحب الدماء أو إراقة الدماء، ولكن عندما رأيت الناس يصلون إلى حماة وينامون في الخارج في الحدائق والشوارع، لم أستطع الوقوف والمشاهدة. “

وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش شبكة سجون الأسد الواسعة بأنها “أرخبيل تعذيب”. ويقول الكردي إنه احتُجز لمدة تسعة أشهر دون محاكمة، وكان يتنقل بين مراكز الاعتقال في حماة وحمص ودمشق. وفي فرع “فلسطين” التابع لمديرية المخابرات العسكرية في دمشق، قام الحراس مراراً وتكراراً بضربه على أخمص قدميه بخرطوم مطاطي وصعقه بأسلاك كهربائية متصلة بجمجمته. ويقول إنه ظل محتجزاً لمدة أسبوع في قلم خزفي ضيق، غير قادر على الجلوس وبالكاد قادر على الحركة. يقول الكردي: “الجو بارد، وكانوا يأتون ويرشون عليّ الماء ثم يغادرون”. ويقول إنه كان يُسمح له بالخروج لمدة خمس دقائق يوميًا لقضاء حاجته، وإنه كان يتلقى أحيانًا قطعًا من الخبز القديم تُدفع عبر الباب.

يتمتع الشاب البالغ من العمر 25 عامًا بملامح ناعمة ولحية لمدة ثلاثة أيام وظلال داكنة تحت عينيه. ويقول إنه في نهاية فترة سجنه، مثل أمام قاض عسكري، الذي أمر بإطلاق سراحه. وعندما سلمه الحارس متعلقاته – محفظة فارغة – أمسك بيد الكردي وقطع إصبعه السبابة بسكين.

قال له الحارس وهو يرفع ندبة رقيقة: “هذا حتى تتذكرنا”.

منذ وصوله إلى ألمانيا، يقول الكردي إنه يعالج من الكوابيس المتكررة التي يرى فيها عملاء الأمن السوري يطاردونه في شوارع حماة التي تعرضت للقصف.

ويقول وهو ينهار خلال إحدى المقابلات: “قلبي يؤلمني، أقسم بالله”. “أنا لست سعيداً هنا. لقد استقبلتنا الحكومة الألمانية ووفرت لنا الأمن والأمان. نحن نقدر ذلك، لكننا لسنا سعداء نفسياً. شعبنا يُذبح”.

وقال لاعب آخر في سوريا الحرة، باسل حوا، إنه تم القبض عليه وهو يخطط للانشقاق عن الجيش السوري بعد أن خلص إلى القول: “نحن نقتل شعبنا”. ويقول إنه احتُجز لمدة شهرين في زنزانة صغيرة مع 12 محتجزاً اضطروا إلى التبرز في حفرة في الأرض. ويقول حواء إنه أُطلق سراحه بعد أن منح الأسد عفواً محدوداً في عام 2014. ثم فر في النهاية إلى ألمانيا.

يظهر لاعب واحد تقريبًا في كل محادثة مع فريق سوريا الحرة، لكنه ليس موجودًا هنا في برلين. كان جهاد قصاب لاعب خط وسط متقاعد في أوائل الأربعينيات من عمره وكان يلعب دور البطولة في فريق الكرامة المحترف في حمص. ليس من الواضح سبب اعتقال القصاب في 19 أغسطس 2014. لم تكن هناك محاكمة قط.

تعتقد عائلة القصاب وأصدقاؤه أنه تم نقله إلى سجن صيدنايا العسكري، قلب أرخبيل الأسد المظلم للتعذيب. وقال أحد المعتقلين السابقين لمنظمة العفو الدولية إن الحراس يعزلون السجناء الأضعف ويجبرون السجناء الأكبر حجماً على اغتصابهم. وكان الضرب مستمرًا بالأنابيب، ومداسات الدبابات الممزقة، والكابلات المعقوفة المصممة لتمزيق اللحم. وتضم صيدنايا غرفة إعدام تحت الأرض مكونة من منصتين وعشرات المشنقات، بحسب منظمة العفو الدولية، التي وصفت صيدنايا بـ”المسلخ البشري”. وتقدر منظمة العفو الدولية أن ما يصل إلى 13 ألف سوري تعرضوا لسياسة “الإبادة” على مدى أربع سنوات في السجن.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد مرور أكثر من عامين على اختفاء القصاب، أُعلن عن وفاته. وكانت المساجد في حمص أول من نقل الخبر، ثم وسائل التواصل الاجتماعي، والشبكة السورية لحقوق الإنسان، ووكالات الأنباء حول العالم. ولم تكن هناك تفاصيل أخرى.

ويقول محمد حميد، لاعب الكرامة السابق والصديق المقرب للقصاب: “لو كان جهاد يعيش في بلد آخر، لكان تم تكريمه ومكافأته على تاريخه الطويل من الإنجازات الرياضية”. “في سوريا، في عهد الأسد، يتم اعتقاله وتعذيبه”.

ولم يتم العثور على جثة القصاب قط، بحسب أصدقائه، والبعض مقتنع بأنه قد يكون على قيد الحياة. وأقام رشاد شما، وهو صديق قديم، حفلاً صغيراً للقصاب أمام محل الحلوى الخاص به في المملكة العربية السعودية.

إنه مقياس لواقع سوريا الملتوي أن نجم مثل القصاب يمكن أن يختفي، ويعلن وفاته ويقام له الخدمة، لكن شمة لا يزال بإمكانه أن يقول بواقعية: “قد يكون حياً أو ميتاً. من يدري؟”

قال فادي دباس، نائب رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم، لشبكة ESPN لأول مرة إنه لا يعرف شيئًا عن مصير القصاب ولم يسمع عنه مطلقًا: وقال الدباس: “لا أعرف هذا الاسم على الإطلاق”. وعندما أشار إلى أن القصاب لعب في الدوري السوري الممتاز منذ أكثر من عقد من الزمن قال: “لا أعرف أين ذهب بعد رحيل الكرامة، ولا أعرف ماذا حصل، ليس لدي أي معلومات حول هذا الموضوع”. “.

رغم الرمزية، مباراة سوريا الحرة أمام إس في بوخولز تنتهي بهزيمة السوريين 5-2، في ظل برد وثبات

تحت المطر، أمام بضع عشرات من الألمان الذين يتدافعون بعد ظهر يوم الأحد لمشاهدة أصدقائهم وأقاربهم وهم يلعبون عرضًا مثيرًا للاهتمام.

ونظرًا للظروف، فإن المباراة بطولية وغير مريحة للمشاهدة. السوريون يسجلون أولاً من عرضية جميلة. ولكن بحلول الشوط الثاني، كان الألمان – الذين يتمتعون بحالة أفضل ويتمتعون بحياة طبيعية تسمح لهم بالتدرب بانتظام (اجتمع السوريون معًا لأول مرة في اليوم السابق) – ينطلقون بعيدًا عن المرمى. أصابت إحدى الطلقات القوية أحد المدافعين السوريين في وجهه، مما تركه بلا حراك على الأرض لعدة دقائق قبل أن يغادر بحذر شديد.

السوريون الأحرار يقدمون أنفسهم كبديل للمنتخب الوطني الذي يرعاه الأسد. ولكن أكثر من أي شيء آخر، فإن المعرض ضد إس في بوخهولز يظهر أن الأمر ليس كذلك – ولا حتى قريبًا. لا يوجد سوى فريق سوريا واحد، واللاعبون الجيدون بما فيه الكفاية لتشكيله يجب أن يقرروا بأنفسهم ما يمثله.

على الرغم من الرمزية، انتهت مباراة سوريا الحرة ضد إس في بوخهولز بهزيمة السوريين بنتيجة 5-2، تحت أمطار باردة ومستمرة، أمام بضع عشرات من الألمان الذين يتدافعون بعد ظهر يوم الأحد لمشاهدة أصدقائهم وأقاربهم يلعبون مباراة. معرض غريب.

ونظرًا للظروف، فإن المباراة بطولية وغير مريحة للمشاهدة. السوريون يسجلون أولاً من عرضية جميلة. ولكن بحلول الشوط الثاني، كان الألمان – الذين يتمتعون بحالة أفضل ويتمتعون بحياة طبيعية تسمح لهم بالتدرب بانتظام (اجتمع السوريون معًا لأول مرة في اليوم السابق) – ينطلقون بعيدًا عن المرمى. أصابت إحدى الطلقات القوية أحد المدافعين السوريين في وجهه، مما تركه بلا حراك على الأرض لعدة دقائق قبل أن يغادر بحذر شديد.

السوريون الأحرار يقدمون أنفسهم كبديل للمنتخب الوطني الذي يرعاه الأسد. ولكن أكثر من أي شيء آخر، فإن المعرض ضد إس في بوخهولز يظهر أن الأمر ليس كذلك – ولا حتى قريبًا. لا يوجد سوى فريق سوريا واحد، واللاعبون الجيدون بما فيه الكفاية لتشكيله يجب أن يقرروا بأنفسهم ما يمثله.

في يوليو/تموز 2012، عندما أعلن فراس الخطيب أنه لن يلعب لمنتخب سوريا، اشتعلت النيران في مسقط رأسه، حمص. وتُعرف المدينة الواقعة في غرب وسط البلاد، والتي كانت ثالث أكبر مدينة في سوريا، باسم “عاصمة الثورة”. وفي العام السابق، عندما انتشرت الاحتجاجات السلمية ضد حكومة الأسد الاستبدادية في جميع أنحاء البلاد، خرج الآلاف من سكان حمص إلى الشوارع. وكما فعل في مدن أخرى، رد الأسد بقوة ساحقة. أدى رد الحكومة على الاحتجاجات التي عمت البلاد إلى اندلاع حرب أهلية تضم الآن مرجلًا غريبًا من القوى العظمى العالمية والإرهابيين الأجانب وأمراء الحرب والميليشيات والمقاتلين من أجل الحرية.

وشملت حملة الأرض المحروقة التي شنها الأسد في حمص الاغتصاب والمجاعة، حيث أكل بعض السكان العشب للبقاء على قيد الحياة، وفقاً لشهود عيان ونشطاء المعارضة. ووردت أنباء عن مجازر شاهد فيها شهود قوات الأسد وهي تقوم بجمع المدنيين وقتلهم.

الخطيب هو أحد أبرز مواطني حمص وأحد أشهر الرياضيين السوريين، وهو نجم وطني منذ مراهقته. غادر البلاد في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ليلعب بشكل احترافي في بلجيكا والصين، ولأكثر من عقد من الزمان، في الكويت، حيث حطم الرقم القياسي لعدد الأهداف في الدوري. استخدم الخطيب أرباحه من كرة القدم للمساعدة في بناء شارع في حمص – شارع الخطيب – يضم ملعبًا لكرة القدم ومسجدًا يحمل أيضًا اسم العائلة. على الرغم من الملايين التي كسبها من اللعب في الخارج، إلا أنه كان يعود دائمًا إلى الوطن لتمثيل سوريا. ويقول: “لكي تلعب مع المنتخب الوطني، عليك أن تشاهد 24 مليون شخص، ويدعمك 24 مليون شخص للفوز”.

وكانت مقاطعة الخطيب، التي أُعلن عنها خلال تجمع حاشد في مدينة الكويت، بمثابة ضربة للأسد. وقال الخطيب، وهو يرتدي وشاحاً يحمل ألوان الثورة: “هنا أمام وسائل الإعلام، أريد أن أقول إنني لن ألعب أبداً للمنتخب الوطني السوري طالما أن هناك قنابل تسقط في أي مكان في سوريا”.

ورفع أحد الرجال الخطيب على كتفيه. ولقبه الجمهور باسم أبو حمزة، وهو لقب حنون يعني “أبو حمزة”، ابنه الأكبر.

“رحمك الله يا أبا حمزة، بارك الله فيك!”

يلعب الخطيب لنادي الكويت الرياضي، فريقه الرابع في الكويت. وهو يقف على هامش ملعب منزله بعد ظهر أحد أيام شهر فبراير، وهو يكافح لشرح كيف يمكنه التفكير في تمثيل سوريا مرة أخرى، بالنظر إلى موقفه السابق والفظائع التي تواصل الحكومة ارتكابها ضد السكان المدنيين.

ويقول: “ما حدث معقد للغاية”. “لا أستطيع التحدث أكثر عن هذه الأمور. آسف، آسف، أنا آسف للغاية. من الأفضل لي، وأفضل لبلدي، وأفضل لعائلتي، وأفضل للجميع إذا لم أتحدث عن ذلك”.

لكنه يقدم أدلة.

يقول الخطيب إنه لم تطأ قدمه شارع الخطيب منذ ست سنوات. ولم ير والده الذي لا يستطيع مغادرة البلاد بسبب المرض. يقول: “إنه أصعب وقت في حياتي”. “لا أريد العودة لأنني ألعب لمنتخب وطني أو لأنني أدعم حكومة ما أو لا أدعمها. أريد أن أعود إلى سوريا مثل شخص واحد من سوريا. أريد أن أرى مستواي”.

أخيراً، وإخوتي.” ويقول الخطيب إنه لا يزال يحلم بالعودة إلى حمص كرئيس لفريق الكرامة المحلي.

وفي الوقت الذي أعلن فيه الخطيب مقاطعته، اعتقد الكثيرون أن الأسد سيسقط. ويقول: “في ذلك الوقت، كانت هناك ثورة جيدة حقًا – نريد أن تنمو البلاد، وتصبح البلاد أكثر قوة، ويريد الناس أن يعيشوا بشكل أفضل”. والآن أصبح الأسد راسخاً. لا تسيطر الحكومة على حمص فحسب، بل تسيطر أيضًا على حلب، التي كانت ذات يوم المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان، اعتبارًا من ديسمبر/كانون الأول. ويتنافس دوري المحترفين السوري، الذي كان مقتصراً على مدينتين – دمشق واللاذقية – من جديد في أجزاء أخرى من البلاد. في أواخر كانون الثاني/يناير، لعب الاتحاد والحرية، المنافسان الرئيسيان في حلب، أول مباراة لهما في المدينة منذ عام 2012، وهو الحدث الذي رحبت به الحكومة باعتباره علامة على عودة سوريا إلى وضعها الطبيعي.

يقول الخطيب: “[قلت] لن ألعب حتى يتوقف هذا القتل، وهذا الموت”. “الآن، تسألني عن سبب تغيرك. أنا أتغير لمجرد قرار كروي، وليس قرار سياسي. نريد أن نكون سعداء. نريد شيئًا يجعلنا سعداء. كل شيء الآن في سوريا يجعلنا حزينين”.

وأمامه خمسة أسابيع ليقرر ما إذا كان سينضم إلى سوريا في مباراتها المقبلة. ومنذ تعادل كوريا الجنوبية مع ماليزيا، فاز المنتخب على الصين وتعادل مع إيران متصدرة المجموعة. الظهور الأول لسوريا في كأس العالم أصبح في متناول اليد.

سُئل الخطيب كيف يمكنه التفكير في تمثيل حكومة تواصل قصف المدنيين، وتعذب وتقتل “الأشخاص الذين تحبهم، وزملائك في الفريق”.

يقول الخطيب مبتسماً بحزن: “سؤال صعب جداً جداً جداً”. “لا أستطيع التحدث حقًا. أريد أن أتحدث. لكن لا أستطيع.”

بالنسبة للاعبين الآخرين، يمثل تمثيل الأسد خيانة لا يمكن تصورها.

واحد هو فراس العلي.

يقول علي، وهو مدافع سابق في المنتخب الوطني: “رأيت سوريا جنة على الأرض”.

لكنه لم يعد في سوريا، وهذه ليست الجنة.

يشبه مخيم قرقميش للاجئين سجنًا منخفضًا. ويقع المخيم على الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا، وتحيط به جدران رمادية وأسلاك شائكة، وتسيطر عليه الحكومة التركية. يتمتع الركاب البالغ عددهم 6,886 (من بينهم 1,963 طفلًا) بحرية المغادرة، فقط إذا كان لديهم مكان يذهبون إليه والوسائل اللازمة للوصول إلى هناك.

كان علي يمتلك ذات يوم ثلاثة منازل. والآن أصبحت جميع ممتلكاته محشورة في خيمة بيضاء كبيرة، وهي واحدة من مئات الخيمة التي أقيمت بشكل متناظر على الأرض التي تحرقها الشمس. خيمة علي ليست أكبر أو أصغر من خيمة جيرانه، لكنها من الداخل نظيفة ورسمية. تصطف ستائر من الدانتيل الأبيض على جدران القماش، وتغطي سجادة شرقية الأساس الخشبي. تشكل الوسائد المزخرفة بالزهور منطقة جلوس على شكل حرف U. يوجد إبريق شاي فضي صغير فوق طبق ساخن، ويوجد أيضًا تلفزيون بحجم 13 بوصة وثلاجة صغيرة. ويعيش علي البالغ من العمر 31 عاماً وزوجته وأطفاله الثلاثة في قرقميش منذ ثلاث سنوات. ولدت هنا ابنته الصغيرة عائشة.

يتمتع علي بشعر داكن يمتد على جبهته، كما يتمتع برشاقة الصفصاف التي يتمتع بها الرياضي المحترف. بالنسبة لمراقبي كرة القدم السورية عن كثب، من الصعب فهم المأزق الذي يعيشه، فقد ترك نجم رياضي ليعيش بين مشجعيه في خيمة سكنية. لعب علي لفريق الشرطة، أحد أفضل الفرق في دمشق، وكان يكسب 125 ألف دولار في الموسم، وهي ثروة في سوريا. والأهم من ذلك أنه كان يمثل سوريا. ويقول: “من بين 23 مليون شخص، كنت واحداً من أفضل 20 لاعباً في بلدي”. “كنت مشهوراً ومعروفاً أينما ذهبت. وكان وضعي المادي ممتازاً. وكانت لدي عائلة جيدة وسمعة طيبة. ولم أفكر قط في الخروج من بلدي”.

وهو الآن لاجئ، وقد قامت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية بتلبية احتياجات أسرته.

ويقول علي إنه يفضل العيش في مخيم للاجئين على اللعب لصالح سوريا. في عام 2011، عندما هاجمت قوات الأسد مدينة حماة، مسقط رأسه، قُتل عبد الله، ابن عم علي البالغ من العمر 19 عاماً، وهو طالب جامعي في الجغرافيا، بالرصاص أثناء احتجاج. يقول علي: “أصابت الرصاصة عينه وخرجت من رأسه”. وفي وقت لاحق، سقط برميل متفجر – وهو برميل نفط مملوء بالغاز أطلقه النظام من طائرات الهليكوبتر بالآلاف – على سطح أحد المنازل وأحرق ابنة أخته بينما كانت واقفة في مطبخها. يقول علي إنه وصل بعد دقائق قليلة. ويقول: “إن رؤية إنسان مقطع إلى أشلاء هو كابوس”. “كان وزنها حوالي 200 رطل، وكانت بنيتها ثقيلة. ولم نتمكن من العثور عليها.” انضم علي إلى الاحتجاجات، وهو يغطي وجهه لأنه كان من السهل التعرف عليه. لقد شعر أنه يعيش حياة مزدوجة: تحدي الأسد في الشوارع وتمثيله في الميدان.

في صباح أحد الأيام، حضر علي للتدريب في ملعب العباسيين في دمشق ووجد أنه قد تم تحويله إلى قاعدة عسكرية. “كان لدينا نصف الملعب، والفرقة الرابعة [من الجيش السوري] كان لها النصف الآخر. وهذا ما رأيته بأم عيني! كانت هناك مدفعية في الأماكن المخصصة للرياضيين. وكانوا يخرجون لقمع المظاهرات من الميدان”. “في الملعب الذي كنت أتدرب فيه. كنت أسمع إطلاق نار من داخل الملعب. وكان المتظاهرون لا يزالون بلا أسلحة. الوحيدون الذين كانوا يحملون السلاح في ذلك الوقت هم النظام”.

وكان المدرب الرئيسي للمنتخب الوطني هو فجر إبراهيم، الموالي للأسد الذي ارتدى فيما بعد قميصاً عليه شعار

الصورة للرئيس قبل مباراة تصفيات كأس العالم. يقول علي إن إبراهيم تحدث بصراحة عن ضرورة سحق الاحتجاجات. وقال إبراهيم للاعبين إن الفوز بالمباريات سيُظهر للعالم أن الانتفاضة لم يكن لها تأثير يذكر. انقسم اللاعبون: “كنا ندمر أنفسنا”، يقول علي. لقد شعر بالإحباط بشكل متزايد، وتضاءلت جهوده في الملعب “لأنني كنت مشتتًا للغاية. كان الأصدقاء يموتون، وكان الأقارب يموتون”.

كان علي يقيم أحياناً في فندق بلو تاور، وهو فندق أربع نجوم يقع في شارع الحمرا في دمشق. ويقول إنه في إحدى الليالي الأرق، شاهد برعب من نافذته في الطابق الثامن الحكومة تقصف الأحياء المدنية في جميع أنحاء المدينة. يقول: “كان الأمر كما لو كنت أشاهد فيلم حركة على شاشة التلفزيون”. “لقد كان مرعبا.”

وفي ليلة أخرى، بينما كان المنتخب الوطني يتدرب استعداداً لبطولة في الهند، تلقى علي مكالمة هاتفية مفادها أن ابن عمه علاء البالغ من العمر 13 عاماً قد قُتل خلال هجوم للقوات الحكومية على قرية خارج حماة. وبعد ثلاثين دقيقة، انضم إلى المنتخب الوطني لتناول العشاء. عندما سخر أحد زملائه من المتظاهرين، قال علي إنه ألقى عليه ملعقة قبل أن يقوم زملاؤه بفصلهم عن بعضهم البعض. عاد علي إلى غرفته واتصل بعائلته.

قال لأخته: “لقد انتهيت”.

“ماذا تقصد؟” أجابت.

أجاب: “لا أريد أن ألعب لهم أبدًا”.

رتب لاثنين من إخوته أن يصطحبوه في الساعة 5:30 من صباح اليوم التالي. ومن هناك، انطلق علي مسرعاً إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، ولوح له عند نقاط التفتيش، كما يقول، من قبل الجنود الذين عرفوه كرياضي مشهور ولكنهم لم يكونوا على علم بأنه كان يفر من النظام. عبر الحدود إلى تركيا مع عائلته الصغيرة. كان علي حراً، ولكن فجأة واجه تحديات جديدة. ويقول: “كان لدي أموال في البنك، وبعد انشقاقي، أخذها النظام”. “كان لدي ثلاثة منازل، وقد تم تدميرها. … كانت لدي قطعة أرض، لقد اختفت. … لقد كان الأمر كما لو أن كل أموالي قد ذهبت.”

وبينما يصف تحوله، يجلس علي في ما يبدو أنه مركز تجاري في كاركاميس: صف من أكشاك الخشب الرقائقي التي تبيع كل شيء من المواد الغذائية إلى السلع المعلبة إلى أدوات الطهي إلى المولدات. يقوم أحد البائعين بإحضار أطباق من اللحوم المشوية، فيقوم علي بالبط داخل أحد الأكشاك – وهو متجر أدوات مكتظ – لتجنب الذباب الذي ينزل على الطعام. تدور أيامه حول تعليم كرة القدم للأطفال الذين يتوافدون عليه كمشاهير المعسكر. في وقت متأخر من الصباح، بينما تشرق الشمس عبر ضباب الصحراء، يجتمع علي وثلاثة من الأطفال على لوح خرساني متناثر عليه الزجاج المكسور للتمدد والركض والمشاجرة. وفي بعض الأحيان تجد الكرة طريقها إلى علي، الذي يتلاعب بها ببراعة حياته السابقة.

ويقول: “الأمر صعب، لكنني لست نادماً على أي شيء على الإطلاق”. وتساءل “كيف سيكون شعور من يلعب تحت هذا العلم ويحمل صورة الشخص الذي هو السبب الوحيد في قتل وموت وتهجير أكثر من 7 ملايين سوري؟”

السؤال المركزي بالنسبة للخطيب وعلي والملايين من المشجعين هو ما تمثله كرة القدم داخل سوريا في ظل استمرار تمزيق البلاد. هل يمكن للمنتخب الوطني أن يكون بمثابة واحة سلمية ومكان يجتمع فيه السوريون؟ أم أنه سلاح آخر يستخدمه الأسد لإبراز الحياة الطبيعية وإضفاء الشرعية على سلطته؟

لقد فكر أنس عمو في هذا السؤال مطولاً. وكان جوابه هو البدء في بناء قضية حقوق الإنسان الرياضية ضد الحكومة السورية. ورأى عمو في المشروع وسيلته لخدمة المعارضة. بدأ الأمر قبل خمس سنوات، عندما أدرك أن الرياضيين كانوا من أبرز ضحايا وحشية الأسد، وأن الحكومة كانت تستخدم كرة القدم، شغف عمو طوال حياته، كأداة دعائية. ومع مقتل العشرات من الرياضيين وعيش آلاف آخرين كلاجئين، يعتقد عمو أن “جيلا كاملا من كرة القدم في سوريا قد اختفى”.

وفي مرسين، يعمل ذخيرة من خلال مكتب مؤلف من غرفتين مفروش بشكل ضئيل ويطل من بعيد على البحر الأبيض المتوسط. لقد هرب إلى هنا من حلب، حيث عمل كاتبًا رياضيًا في صحيفة الوطن السورية وكمسؤول علاقات عامة متطوعًا في الاتحاد، نادي كرة القدم الأول في المدينة. ويقول إنه كان يعمل مع الاتحاد في عام 2011، عندما بدأت الحكومة في إجبار اللاعبين على حضور المظاهرات المؤيدة للأسد. أخبر اللاعبون السابقون ESPN أن مثل هذه الأوامر كانت شائعة. ويقول عمو: “اللاعبون كانوا غاضبين منهم بشدة لإجبارهم على الخروج”. “لقد شعرت بالحزن حقًا عندما رأيت الرياضة تستخدم بهذه الطريقة.”

ومع تصاعد الحرب الأهلية، بدأ الجيش في استخدام الملاعب في دمشق وحلب وحماة وحمص ومدن أخرى كقواعد ومراكز احتجاز، وفقًا للاعبين السابقين ومراقبي حقوق الإنسان ومقاطع الفيديو التي التقطها الناشطون. على سبيل المثال، يظهر مقطعا فيديو، على سبيل المثال، صواريخ يتم إطلاقها من الملعب في استاد العباسيين في دمشق، وهي نفس المنشأة التي قال فراس العلي إن اللاعبين أجبروا على مشاركتها مع الجيش السوري.

ووصف فادي دباس، نائب رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم ورئيس وفد المنتخب الوطني، هذه المزاعم بأنها كاذبة، وقال لشبكة ESPN إن الملعب

“لم يتم استخدامها مطلقًا لأسباب عسكرية”. وألقى باللوم على وسائل الإعلام الغربية التي وصفها بالتحيز.

وينص النظام الأساسي للفيفا، الذي يحكم منظمات مثل الاتحاد السوري لكرة القدم، على أن “يتولى كل عضو إدارة شؤونه بشكل مستقل ودون أي تأثير من أطراف ثالثة”. قام FIFA بتفعيل بند الاستقلال 24 مرة على الأقل خلال العقد الماضي، مما أدى إلى إيقاف 20 مرة عن اللعب الدولي، رداً على نشاط اعتبرته المنظمة تدخلاً حكومياً. ففي عام 2009، على سبيل المثال، أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم عضوية العراق بعد أن علم أن الحكومة قامت بحل الاتحاد العراقي لكرة القدم وأرسلت عملاء أمنيين للسيطرة على مقره. في عام 2014، أوقف الفيفا نيجيريا بعد أن قامت الحكومة بحل قيادة الاتحاد النيجيري لكرة القدم بعد النهاية المخيبة للآمال لفريق كأس العالم في البرازيل.

ورأى عمو أن العنف ضد اللاعبين واستغلال الفرق لأغراض دعائية واستخدام الملاعب لأغراض عسكرية يشكل انتهاكا لأنظمة الفيفا. ويعتقد عمو أن فشل الفيفا في التحرك ضد سوريا كان “شريكا في كل الجرائم التي ارتكبت ضد لاعبي كرة القدم والأضرار التي لحقت بالملاعب والمنشآت الرياضية”.

أرسل ذخيرة المعلومات عبر البريد الإلكتروني إلى لاعب سابق يدعى أيمن قشيط. وكان كاشيت، الذي لعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، يعيش في السويد، حيث حصل على الإقامة، وكان على مقربة من مقر الفيفا في زيوريخ.

سافر كاشيت إلى زيوريخ لمواجهة FIFA في أغسطس/آب 2014. لكن تم إبعاده عند المدخل، وقرر أنه لكي يكون له أي تأثير يحتاجه لتجميع تقرير كامل. وحصل على دورة قدمتها منظمة العفو الدولية حول كيفية توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. وكانت النتيجة “شكوى” من 20 صفحة مبنية على عمل عمو، تم تقديمها نيابة عن “أكثر من 2000 رياضي… منفصلين عن الاتحاد السوري لكرة القدم”.

وكتب الكاشيت الشكوى باللغة الإنجليزية، إحدى اللغات الرسمية الأربع للفيفا. الوثيقة غير نحوية وفي صلب الموضوع. ويستشهد بـ “جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الحكومية في سوريا بحق لاعبي كرة القدم وملاعب كرة القدم، وصمت الاتحاد السوري لكرة القدم عن هذه الجرائم…”. تتضمن الشكوى جدولاً يضم 10 لاعبين يُعتقد أنهم محتجزون لدى الحكومة وتقدم صورًا لتسعة. تسرد الجداول الأخرى 11 لاعبًا تحت 18 عامًا و20 لاعبًا فوق 18 عامًا يُزعم أنهم قتلوا على يد القوات الحكومية. ويعرض قسم آخر صور وفيديوهات للملاعب التي احتلتها القوات السورية.

يقول الكاشيت إنه حاول إرسال المعلومات عبر البريد الإلكتروني إلى FIFA لكنه لم يتلق أي رد. عاد إلى زيوريخ وألقى الوثيقة في مكتب الاستقبال، لكنه لم يسمع شيئًا مرة أخرى.

في أغسطس 2015، عاد الكاشيت إلى مقر الفيفا، هذه المرة برفقة مترجم ساعده في تصوير المباراة. وبعد مساومة مع أحد موظفي الاستقبال، تحدث كاشيت في النهاية مع ألكسندر كوخ، مدير الاتصالات المؤسسية في FIFA.

وقال المترجم لكوخ في الفيديو: “يقول إنه سيكون موضع تقدير كبير إذا تابع الفيفا الوثيقة لأن الطريقة الوحيدة [لممارسة] الضغط هي من خلال الفيفا لأن الفيفا هو مظلة هذا الاتحاد”.

يبدو كوخ مضطربًا إلى حدٍ ما.

يقول كوخ: “المشكلة التي أراها هي أن هذا ليس ضد كرة القدم”.

يقول كوخ لكاشيت أنه يجب عليه تقديم شكواه إلى الاتحاد السوري لكرة القدم، والذي يمكنه بعد ذلك تقديم شكوى إلى الفيفا. يحاول كاشيت إقناع كوتش بأن شكواه موجهة ضد الاتحاد السوري لكرة القدم، الذي تدعمه حكومة الأسد.

وتساءل “كيف يمكن أن تطلب من اتحاد الكرة تقديم شكوى رسمية والقضية مرفوعة ضد الاتحاد السوري لكرة القدم؟” أخبر كاشيت لاحقًا ESPN. وأضاف: “من الواضح والواضح أن الاتحاد السوري لكرة القدم جزء من الحكومة. ولن يصدق أحد غير ذلك”.

وبعد شهر واحد، تلقى كاشيط رسالة بالبريد الإلكتروني من نائب الأمين العام للفيفا ماركوس كاتنر، يؤكد فيها أن الأمر خارج عن سيطرة الفيفا.

وكتب كاتنر، الذي سينتهي به الأمر بالفصل من منصبه بسبب سوء السلوك المالي أثناء عمله في منصب رئيس الفيفا: “يدعم الفيفا بشكل كامل أي جهد يهدف إلى ضمان قدرة جميع الرياضيين على الاستمتاع بممارسة لعبة كرة القدم في بيئة خالية من العنف، ونشكركم على مبادرتكم”. المدير المالي للفيفا. وأضاف كاتنر أن الظروف الموصوفة في التقرير تتجاوز الرياضة بكثير.

تم سحق الكاشيت. “عار على FIFA” ، قال خلال مقابلة دامعة مع ESPN في هيلسينجبورج. “لم أطلب من الفيفا اتخاذ قرار على الفور. كنت أطلب من الفيفا التحقيق. إذا لم يكن القرار دقيقا، فيمكنهم تجاهل المعلومات والقول لا”.

سعت شبكة ESPN لإجراء مقابلات مع مسؤولي الفيفا حول سوريا ومنتخبها الوطني، لكن الفيفا رفض الطلب. وأرسل متحدث باسم الاتحاد بيانا مشابها للذي أرسل إلى كاشيت: “على مدى السنوات الأخيرة، تم إبلاغ الفيفا بمزاعم عدة أطراف – غالبا ما تتعارض مع المعلومات وفقا لمصادر مختلفة – فيما يتعلق بالعنف.

مما أثر على ممارسة كرة القدم في البلاد. وبينما نتفهم تمامًا الظروف المأساوية المحيطة بتلك الأحداث، فإننا كهيئة إدارية رياضية ندرك أيضًا أن هذه الأفعال المزعومة تتجاوز نطاق الأمور الرياضية في وضع تغرق فيه البلاد بأكملها في حرب أهلية”.

وجاء في البيان أن الفيفا مُنع من التصرف بسبب “حدود اختصاصنا وقدرتنا على التحقق من أي مزاعم في مثل هذا الوضع المعقد”.

وقال مارك أفيفا، المحامي الرياضي المقيم في لندن والذي كتب عن كيفية تطبيق الفيفا لقوانين الاستقلال، إن الأدلة ضد سوريا تفوق بكثير القضايا الأخرى، بما في ذلك نيجيريا، التي دفعت الفيفا إلى التحرك. وتقول أفيفا: “في أي سياق آخر، سيكون الفيفا حريصًا على المشاركة”.

وقالت أفيفا إن الفيفا “يرى بوضوح أنه من مصلحته عدم التورط” في أزمة سياسية تشمل القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، الدولة المضيفة لكأس العالم العام المقبل. ويقول إن اتخاذ إجراء ضد سوريا سيتطلب شجاعة مؤسسية أكبر مما أظهره الفيفا في السابق.

في إحدى الليالي الباردة من شهر مارس/آذار، سار لاعبون من كوريا الجنوبية وسوريا في صف واحد إلى ملعب كأس العالم في سيول، والذي تم بناؤه قبل استضافة كوريا الجنوبية للبطولة في عام 2002. ويثير هذا الملعب الذي يتسع لـ 66704 متفرج العار لـ “الوطن” المؤقت لسوريا في ماليزيا. ويتميز، من بين وسائل الراحة الأخرى، بسقف متوهج مصمم ليشبه الطائرة الورقية الكورية. لدعم الفريق المضيف – الملقب بالشياطين الحمر – يرتدي العديد من المشجعين أبواقًا حمراء وامضة. يرتدي السوريون ملابس الإحماء الحمراء المألوفة، ولكن هناك تغيير كبير: مقاطعة فراس الخطيب انتهت. لقد عاد قبل أسبوع من ذلك أمام أوزبكستان وهو جاهز مرة أخرى لمباراة محورية ضد كوريا الجنوبية.

ويقلل الخطيب والمسؤولون السوريون من أهمية هذا التغيير. ويشير الخطيب إلى أن هذا لم يكن قراره: “في المرة الماضية، لم يدعوني للعب”. ويقول فادي دباس، رئيس الوفد، إن الخطيب “مرحب به في الفريق في أي وقت”، لكن “وضعه لم يكن يسمح له بالقدوم”.

بغض النظر، فمن الواضح أن المهاجم تحت قيادة سيد جديد. في اليوم السابق للمباراة، بعد أن وافق الخطيب على إجراء مقابلة مع شبكة ESPN، دفعه المسؤولون السوريون إلى المصعد. يتطلب الأمر مفاوضات ساخنة بين ESPN والمسؤولين السوريين في بهو الفندق لإنتاج اللاعب أخيرًا.

“لا للسياسة”، يطالب المتحدث باسم الفريق بشار محمد، الذي لا يحصل على أي ضمانات.

ويعطي الخطيب الانطباع بأنه تخلى عن السياسة. ويقول: “نخرج السياسة ونتحدث عن الرياضة، وكرة القدم فقط”. “لقد عدت من أجل قرار يتعلق بكرة القدم وليس بالسياسة.”

ويقول إن المنتخب الوطني هو “لكل الشعب، لكل سوريا”، وليس فقط للحكومة. الاستمرار في الجلوس لم يعد خيارا، يقول: “لا يمكننا أن نبقى وننتظر كيف نموت. لا، لا يمكننا أن نبقى في المنزل وننظر إلى التلفزيون وننتظر ما حدث في هذه الحرب. لا، يجب علينا أن نفعل ذلك”. افعل شيئًا من أجل عائلتنا، من أجل بلدنا، من أجل أصدقائنا، من أجل أنفسنا”.

ليس الجميع يشتريه. وكانت ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي مختلطة. يقول الخطيب إن ما بين 80 إلى 90% من المشجعين السوريين يؤيدون عودته، لكن الرسائل على صفحته على فيسبوك تكشف مخزوناً عميقاً من الخيانة:

“ما هو شعورك بالضبط عندما تخون بلدك وشعبك؟ ما هو شعورك عندما تخون حمص التي يهرب أهلها من ظروف مروعة، بينما قررت أن تذهب وتقف إلى جانب النظام؟ أقل ما يمكن أن يقوله عنك هو بأنك خائن.”

“لعنة الله عليك، أنت لا تستحق حتى حذاءً قديماً. لا أعرف لماذا معظم أولئك الذين يدعون أنهم مشاهير وممثلين في سوريا هم أقذر الناس على وجه الأرض. ستدفع في حياتك قبل أن تدفع في الآخرة، أبصق على شرفكم يا كلاب».

“يا عيب يا فراس. كلامك مثل كلام طفل صغير. بصق عليك يا كذاب”.

والبعض الآخر أكثر تسامحا. يقول محمد الحمصي، الناشط الإعلامي في حي الوعر المحاصر داخل حمص، إنه يواصل متابعة المنتخب الوطني لأن “الرياضة بشكل عام هي الشيء الوحيد الذي يربطنا بالماضي. لن أقول السوري”. “الفريق يمثل الطيف السوري بأكمله، لكنه يمثل الماضي الجميل. يجب أن تبقى الرياضة منفصلة عن الصراع”.

الخطيب، الذي لا يزال يتأقلم مع فريق لم يقم بقيادةه منذ خمس سنوات، يبدأ المباراة على مقاعد البدلاء. وتقدمت كوريا الجنوبية 1-0 في الدقيقة الرابعة. يقضي السوريون بقية الليل في محاولة شق طريق العودة.

الخطيب يدخل مبكرا في الشوط الثاني. وعلى الفور تقريباً، تتسارع وتيرة اللعبة مع قيام سوريا بالهجوم. الملعب ممتلئ إلى النصف تقريباً. تحول الحشد، الذي كان مفعماً بالحيوية في السابق، إلى همهمة عصبية عندما هدد السوريون مراراً وتكراراً.

ومع مرور الوقت، وجدت الكرة الخطيب وحيدًا على يسار الشباك. ومن مسافة حوالي 10 أقدام، سدد الكرة بقدمه اليسرى مباشرة على رأس حارس المرمى. تمكن الحارس، سون تاي كوون، من وضع يديه أمام وجهه في الثانية الأخيرة وضرب الكرة بعيدا.

وفي الوقت المحتسب بدل الضائع، ومع صراخ الجماهير الآن، حصل الخطيب على فرصة أخرى. بمفرده مرة أخرى، في نفس المكان تقريبًا، يطلق صاروخًا آخر، مستهدفًا أعلى هذه المرة. ارتطمت الكرة بالعارضة بقوة بحيث يمكن سماع الصوت في منتصف المدرجات. لكنها ترتد بعيدا.

ويقول الخطيب إنه عاد لمحاولة انتشال سوريا، ولو للحظة واحدة فقط، من جحيمها الذي لا ينتهي. ويقول: “أخيراً اتخذت القرار الصحيح”. “آمل أن أتمكن من جعل الشعب السوري سعيداً.”

ولكن ليس هذه الليلة. الخسارة 1-0 تضع سوريا على بعد أربع نقاط من المركز الثالث قبل ثلاث مباريات متبقية، وتنتهي آمالها في كأس العالم.

وبعد مرور أسبوع، ظهرت المزيد من الأخبار من سوريا، وهي مرتبطة بشكل غير مباشر بتعهد الخطيب منذ فترة طويلة بعدم الاستمرار في القتال طالما استمر الأسد في قتل المدنيين. هذه المرة قصفت الحكومة قرية خان شيخون التي يسيطر عليها المتمردون بغاز السارين، وهو سلاح كيميائي. الصور مروعة: ضحايا الجمود يخرجون من أفواههم رغوة، وتتقلص حدقاتهم إلى حجم وخز الدبوس. أطفال نصف عراة يستلقون بلا حول ولا قوة في البرك، يلهثون من أجل الهواء.

وقتلت القنابل 85 شخصا على الأقل.

المصدر 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى