مدونات ساسة بوست

أخطاء في قراءة الإحصائيّات

نصادف كلّ يومٍ في وسائل الإعلام العشرات من الأخبار والتي تتضمّن إحصائيّات أو أجزاء من إحصائيّات ورغم أنّ الأرقام الواردة في الإحصائيّات أو في أجزائها التي توردها الأخبار تكون صحيحةً إلا أنّ استخدامها أو فهمها يكون في غير سياقه الصحيح، وإنْ كان الاستخدام “الخبيث” يقع على عاتق الجهة التي أذاعتها إلّا أنّ فهم الأعداد والنسب والمقارنات الواردة يقع على عاتق المتلقّي، والذي غالبًا ما يكون عجولاً منشغلًا غير عابئٍ بتقليب وتمحيص ما يتلقّاه، ومساهمًا بالتالي في تكوين الرأي العامّ المغلوط والذي استند إلى معلوماتٍ صحيحة لكنّها مقروءة أو مقدّمة بطريقة تجافي الشفافيّة والصدق، ممّا يصعّب عمليّة التصحيح وتجعل المدقّق الحريص ينفخ في قربةٍ مثقوبة.

ومن أجل قراءةٍ صحيحة وفهمٍ واقعيّ لتلك الأعداد لن أدخل في تفاصيل رياضيّة وإحصائيّة تربك عقل القارئ، بل سأورد أمثلةً مع تفنيدها وسيكون القارئ في نهاية هذا العرض قادرًا على قراءة الإحصائيّات دون الوقوع في أفخاخ الإعلام المسيّس.

الجنس مقابل الدراسة

انتشر منذ فترة خبرًا في وسائل الإعلام العربية تضمّن العبارة “مليونان ونصف المليون طالبة أمريكية تمارس الجنس لدفع مصاريف الجامعة” أو معنىً مشابهًا، وتراوحت المعلومات الواردة في المقالات بين الاكتفاء بهذا العنوان وحتى سرد أدقّ تفاصيل الإحصائيّة وكيف تمّ الوصول إلى هذا العدد وما الأسباب وراء هذه الظاهرة في الولايات المتّحدة وحتّى أنّ بنود عقد الاتّفاق المبرم بين الطالبة والرجل الذي يصحبها في حفلاته وسهراته وسريره قد أدرجت مرفقةً بتصريحات لطالبات مارسن هذا العمل وكذلك من قائمين على حملات التمويل هذه، لكنّ جميع تلك الأخبار لم تذكر عدد الطلاب الأمريكيين في الجامعات والذي سيشكّل فارقًا كبيرًا في طريقة قراءتنا لهذا الخبر، وهو 21 مليون طالب من الجنسين، بينهم 11 مليون طالبة، أي إنّ 22% من الطالبات تتّبعن طريقة التمويل هذه، وهنا أودّ التذكير بأنّ هذه الظاهرة أي التكسّب من الجنس لتغطية نفقات الدراسة ظاهرة عالمية وقد نُشِر عن ممارسة فتيات عربيّات وأوربيات لها، ويُقام لها مزادات أيضًا.

ميزانيّة ناسا

في عام 2012 قال نيل تايسون العالم الشهير أمام لجنة العلوم بالكونغرس الأمريكي “الآن تمثّل ميزانيّة ناسا السنويّة نصف سنت من دولار الضرائب” مشيرًا إلى ضآلة المخصّصات الحكوميّة ومستجديًا عطف الكونغرس لرفع هذه المخصّصات، في المقابل فإنّ معارضي زيادة تمويل ناسا من أنصار حركة الأرض المسطّحة الذين يعتقدون أنّ مشاريع ناسا مؤامرة لنهب أموالهم كانوا ينشرون ميزانيّة ناسا والتي تبلغ 17 مليار دولار مع إيحاءات خاطئة وذلك بإرفاق معلوماتهم بنتيجة استبيان قال إنّ الأمريكيين يظنّون إنّ ناسا تستهلك 20% من ميزانيّة الدولة، والحقيقة أنّ المبلغ صحيح وكذلك الاستبيان صحيح، لكن ما تمّ إغفاله هو أنّ ميزانيّة الاتّحاد 3500 مليار دولار والاستبيان جرى في الشارع لأناسٍ سئلوا عمّا يظنّون أنّ الحكومة تنفقه. هذا يعني أنّ كلام تايسون كان صحيحًا حتّى إنّ جون زيلر أسّس مؤسّسة “بني فور ناسا” الهدف منها مضاعفة تمويل ناسا ليصل إلى 1% من الميزانيّة العامّة.

ميزانيّة السعوديّة

في خبرٍ يكاد يكون فكاهي ذكرت جريدة الرياض أنّ ميزايّة المملكة العربيّة السعودية تضاعفت 88 ألف مرّة، وفي تفاصيل الخبر تبيّن أنّه قد تمّ ذلك منذ تأسيس المملكة أي قبل 81 سنة، وخلال هذه السنون تضاعف عدد السكان حوالي عشرة أضعاف وتضاعف سعر الذهب حوالي ثلاثين مرّة وعدا عن مئات الأضعاف من التضخّم فإنّ السعودية تحوّلت من دولة اعتمدت في بداية نشأتها على تبرّعات الحجّاج إلى أكبر منتج للنفط.

وبذكر التضخّم فإنّ هذا الخبر هو من أكثر الأخبار التي يُمارَس التضليل في سرده خاصّة في العالم العربي، حيث تحرص الحكومات على تحويل خبر نسبة التضخّم إلى إنجازٍ كبير، فتارةً تُعلَن نسبة التضخّم بناءً على السنة السابقة وتارةً بناءً على الشهر السابق وتارةً بالنسبة لبعض الموادّ التي لم يرتفع سعرها مقارنةً بموادّ أخرى، في محاولات للحصول على رقمٍ يظهر الحكومة وكأنّها أنجزت إنجازًا عظيمًا، أي لتخفي الحكومة إخفاقتها وراء أرقامٍ صحيحة لكنّها لا تفيد المتلقّي شيئًا.

مذبحة السوريين والفلسطينيين

يقارن الكثيرون المذبحة التي تجري بحقّ السوريين بالمذابح التي قام بها الصهاينة إبّان تأسيس كيانهم في فلسطين المحتّلة، واصفين حال الفلسطينيين بأنّه أمنية السوري، حيث إنّه في غضون ثورة 36 في فلسطين أكثر من 100 ألف فلسطيني سقط بين قتيل وجريح ومثل هذا العدد أثناء النكبة أي 22% من الشعب الفلسطيني الذي كان يبلغ تعداده ذاك الوقت حوالي مليون نسمة. ومع عدم التقليل من شناعة المذبحة التي يعيشها السوريّون اليوم إلا أنّ نسبة 22% من السوريين تعني خمسة ملايين وهذا ما لا يتمنّاه أحد في العالم، ورغم أنّنا نقترب يومًا بعد يوم من الرقم المسجّل باسم الشقيقة الجزائر إلا أنّ أيّة مقارنة غير منصفة بجرائم الاحتلال الإسرائيلي ستكون تسويقًا له ونوعًا من التطبيع وخطوة في طريق النسيان والتعايش مع إجرامه.

صحيحٌ أنّ الأرواح لا تُقاس بالنسب ودم السوري عند الله مثل دم الصينيّ إلا أنّ الأعداد والنسب تُستخدم في السياسة والاقتصاد وتغيير الرأي العامّ وتوجيهه وهي كصورة الجندي الإسرائيلي الذي تلقّى صفعةً من طفلة لكنّه ظهر كبطل سلام ولم يردّ عليها وكأنّه صاحب الحقّ الحليم وليس المغتصب.

 

نُشِرت هذه المقالة في ساسة بوست بتاريخ  16 فبراير,2018 ، ونُشرت في هافينغتون بوست عربي بتاريخ 19/02/2018

 

زر الذهاب إلى الأعلى