عالم التقنية والابتكار
ثقافةسينمامدونات ساسة بوست

السبّاحتان.. فيلم جديد عن المأساة السورية والفاعل مبني للمجهول

عرضت نتفلكس فيلم “السبّاحتان” The Sweemers خلال الشهر الحالي وهو يروي قصّة الأختين يسرى وسارة مارديني السبّاحتان اللتان اشتهرتا عام 2015 إبّان موجة اللجوء السورية الكبرى إلى أوروبا عبر البرّ والبحر، تلك الموجة التي فقد إثرها المئات من اللاجئين أرواحهم غرقًا في بحر إيجة الفاصل بين تركيا واليونان المحطّة الأوروبية الأولى في مسيرة اللجوء.

كُتب الكثير عن الفيلم الذي سلّط الضوء عن بعض فصول معاناة اللاجئين، وربّما كان جمال الفيلم وروعة الأداء من الشقيقتين منال ونتالي عيسى وأهمية الرسالة التي يحاول إيصالها الفيلم، كلّ هذه العوامل بالإضافة إلى أنّ القصّة حقيقية، هي ما أدّت إلى انشغال الكتّاب والمشاهدين عن مصيبة ما فتئنا نعاني منها نحن السوريين، وهي غياب الإشارة للفاعل الحقيقي والمتسبّب في كلّ مآسي الشعب السوري وتركه مبنيًا للمجهول.

لقطات من الفيلم

لم يُقصّر منتجو الفيلم في عدم الإشارة إلى المجرم الحقيقي المتمثّل في نظام الأسد، بل ضمّ إشاراتٍ معاكسة أيضًا!

1- على حاجز التفتيش الذي أوقف الحافلة وصعد إليها جنديين من جنود النظام، وقد تحرّش أحدهما بالأختين، كان يتكلّم بلهجة إدلب، في الوقت الذي تحوّلت فيه إدلب رمزًا للمعارضة وتجمّعًا للمهجّرين قسريًا يأتي هذا المشهد ليحكي حكاية معاكسة، ونحن إذ نشير هذه الإشارة لا نطلب من المنتج أن يأتي بجندي يتكلم اللهجة الشامية أو الحلبية أو أيًا كانت، فهناك اللهجة البيضاء التي تتكلّم بها كل الشخصيات.

2- في نفس المشهد السابق، ينهمر الرصاص فجأة على جنود الحاجز ومعه حافلة المدنيين، في تلميح إلى أنّ الجيش الحرّ يهاجم المدنيين بالقناصات، ولو أنّنا وجدنا تبريرًا للفكرة السابقة كأن نقول إنّ المنتجين لا يفرّقون بين اللهجات المحلية، لكن بماذا يمكننا تفسير مشهد القنّاص سوى بسوء نيّة المنتجين!؟

The Swimmers | Official Trailer | Netflix

3- في مشهد قصف المسبح، بعد الهروب والصياح والبكاء عندما يأتي والد الفتاتين ويخبرهما بحصيلة القصف، يقول استشهد ثلاثة أشخاص في ملعب القدم، هنا يمكن أن نقرأ القراءتين التاليتين: إما أنّ القصف كان من طرف الجيش الحرّ ويدلّ على هذه القراءة السياق العامّ للأحداث المعروضة ومكان إقامة الفتاتين والأعلام المرفوعة وجميعها تخبرنا بأنّها مناطق سيطرة النظام التي تتعرّض لهجمات المعارضة والمشكلة في هذه الرؤية أنّها اتّهام مباشر للجيش الحرّ بأنّه يستهدف تجمّعات المدنيين مثل الملاعب وصالات الرياضة بينما يمارس النظام بشكلّ مستمرّ هذا التصرّف أي قصف التجمّعات مثل الأسواق والمدارس والمساجد، والقراءة الثانية هي أنّ القصف كان من طرف النظام، وهي الأقلّ ترجيحًا بحسب سياق الفيلم، لكن مع ذلك فإنّنا نأخذ على هذه الرؤية بأنّها لم تُشِر لا صراحةً ولا رمزًا إلى الفاعل وهذا محور مقالنا ولبّه.

4- مشهد آخر يُبنى فيه الفاعل للمجهول عندما تتداول الفتاتان خبر وفاة صديقتهما مع عائلتهما دون الإشارة إلى الفاعل بالرغم من التطرّق لاسم الصديقة عدّة مرّات في الفيلم، واستخدام قصّتها في إقناع الوالد بالسماح للبنتين بالسفر.

مشهد محيّر

من أغرب مشاهد الفيلم هو مشهد سطح المرقص، حيث كانت الفتاتان ترقصان مع أصدقائهما في ملهى مكشوف السطح، ويطلّ على أجزاء من العاصمة دمشق وفي الأفق تظهر رشقات مدفعية وصاروخية غزيرة تنهمر على منطقة معتمة يبدو أنّها في ريف دمشق.

إنّ وجه الحيرة في هذا المشهد هو أنّه يظهر لنا البطلتين وهما تمارسان حياتهما بشكلٍ طبيعي على بُعد عدّة مئات من الأمتار من وابل الصواريخ على مناطق محاصرة، بل إنّه أكثر من ذلك فالبطلتين لا تمارسان حياتهما بالحد الأدنى من الرفاهية المتاحة في زمن الحرب، بل يصلان لأعلى المراتب فهما مستمرّتان بممارسة هوايتهما الرئيسة السباحة ويذهبان بشكلٍ دوري للمرقص لرقص الديسكو، وكلّ هذا وأصوات القصف وأخبار الموت تغمر المشهد.

في عدّة محطّات بارزة أثناء الثورة السورية كان السوريّون يستنكرون أشدّ الاستنكار وبدرجة تفوق استنكارهم ممارسة النظام وروسيا للقتل والقصف الممنهج، كانوا يستنكرون بلادة مشاعر السوريين القاطنين على الضفة الأخرى من نهر الموت، ولسان حالهم يقول لو لم تستطيعوا إنكار ما يفعله رئيسكم فأظهروا الاحترام للضحايا وتوقّفوا عن الرقص بينما يموت إخوانكم في المناطق الرازحة تحت الحصار والقصف، هذا المشهد يضعنا في حيرة لأنّ العادة جرت أن تكون كلّ تفاصيل الفيلم تخدم أبطاله وتجعل المشاهد يتعاطف معهم حتى لو كان الأبطال مجرمون، فهل كان منتجو الفيلم يقصدون جعلنا نكره البطلتين أم يقصدون أنّ ما يفعله النظام من قصف وتدمير وحرق للبلاد والعباد هو شيء محمود ويستحق الاحتفال والرقص من أجله!

التلاعب بالوقائع

1- من المعروف أنّ من قفز من قارب اللجوء كانوا خمسة أشخاص بينهم يسرى وسارة وليستا الوحيدتان اللتان قفزتا، وهؤلاء الخمسة هم كل من يعرف السباحة من بين الثمانية عشر شخصًا كانوا على متنه.

2- لم تحقق يسرى المركز الأوّل في الأولمبياد، بل حققت مركزًا متأخرًا، أمّا المركز الأول فقد حققته أثناء التصفيات الأولى، وانتهاء الفيلم في هذه النقطة يوحي بأنّها قد فازت بالمسابقة.

يُحسب للفيلم

بُعيد انتشار قصّة السباحتين ومشاركة يسرى في الأولمبياد، كتبت الصحافة عنهما، والعديد من المقالات وصفتهما باللاجئتين المسيحيّتين، لكن في الفيلم لم تكن هناك أيّة إشارة لعقيدتهما، بينما اكتفى بل ركّز على أنهما سوريّتان.

لم يشتّتنا الكاتب بقصص عاطفية جانبية كعادة الأفلام الغربية بل كان جلّ تركيز الأحداث على قضية اللجوء ومتاعبها.

لم يُغفل الفيلم إظهار عناصر جيش النظام بصورتهم الحقيقية ونشير هنا إلى مشهد تحرّش الجنود بالفتيات على حاجز التفتيش.

أخيرًا… متى يُشار إلى الفاعل؟

لم يخرج الفيلم عن أسلوب الأمم المتّحدة والمجتمع الدولي في التكلّم بصيغة المبني للمجهول عندما يتعلّق الأمر بالجرائم والمجازر، وكذلك في وصف ما يجري في سوريا بإنّه حرب، وفي حالات أخرى حرب أهلية، لا أحد يشير إلى أنّها ثورة شعب، ولا أحد يذكر أنّها إبادة من طرف واحد، وأما تسمية فصائل المعارضة المسلحة بالجيش الحرّ فهي تحمل رمزية أكثر من كونه جيشًا بكلّ معنى الكلمة، وهو إنْ كان ندًّا لجيش النظام في بداية الثورة إلا أنّنا لا نستطيع النظر للمواجهة بين الجيش الحرّ من طرف وكلّ من جيش النظام وروسيا وإيران من طرف آخر على أنّها مواجهة بين دولتين متحاربتين ونقول ببساطة “الحرب السورية”، لقد عزّز الفيلم هذه النظرة الخاطئة لما يجري في سوريا عبر تكرار كلمة “الحرب”، فكّر فقط ماذا لو استبدلنا بمصطلح الهولوكوست عبارة “الحرب الألمانية اليهودية” سيكتشف الجميع حجم المغالطة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى