مدونات ساسة بوستملحوظات سياسية

ماذا تعرف عن الجولان؟

الجولان هي هضبة في جنوب غرب سوريا تقع بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال، تابعة إداريًا لمحافظة القنيطرة السورية، وهي جزء من سوريا وتتبع لها (اسميًا)، لكن منذ حرب 1967 احتل الجيش الإسرائيلي ثلثي مساحتها، وعُدّت -من قبل الأمم المتحدة- أرضًا سورية محتلة، وقد شهدت مرتفعات الجولان عدة حروب بين “إسرائيل” وسوريا.

الأهمّيّة الاستراتيجية لمرتفعات الجولان

أولًا تُعدّ ذات أهية عسكرية بالغة الأهمّيّة لأيّ طرف يسيطر عليها، فهي هضبة مرتفعة وتشرف على شمالي فلسطين وكانت تسخدمها القوات السورية منذ 1948 حتى احتلالها من قبل إسرائيل 1967 لقصف الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما عندما وقعت في يد “إسرائيل” حُرِم السوريون من هذه الميزة وانتقلت بالعكس لإسرائيل حيث تبعد مرتفعات الجولان عن دمشق 60 كم فقط ويمكن بسهولة استهداف دمشق منها.

هذا ولم نتكلم عن أهمية مرصد جبل الشيخ الذي يرتفع أكثر من 2800 متر عن سطح البحر، حيث وقع هو الآخر في قبضة “إسرائيل” وهو القمّة الأعلى في سلسلة جبال لبنان الشرقية ويشرف على جنوبي لبنان وغربي سوريا وشمال فلسطين، حيث تبدو أعلى القمم التي بحوزة القوات السورية: التلول الحمر، تل الحارّة، تل أحمر، التي لا تتجاوز 1600 متر، تبدو كأقزام أمام قمة حرمون (جبل الشيخ)

ثانيًا تزوّد هضبة الجولان الأراضي المحتلّة بثلث احتياجها لمياه الشرب، حيث تعتمد “إسرائيل” على المياه من نهر الأردن الذي ينبع من بحيرة طبرية التي تغذيها هضبة الجولان بمياه الأمطار والثلوج والينابيع.

أقامت “إسرائيل” على منحدرات جبل الشيخ منتجعًا شتويًا للتزلّج، كما أنشأت في كتسرين متحفًا لعرض اللُقى الأثرية التي تُكتشف في المنطقة.

مصدر الصورة خرائط جوجل

من الناحية الديموغرافية، لا تشكل الجولان ثقلًا كبيرًا، فبعد نزوح معظم سكانها إلى ضواحي دمشق وتهديم الإسرائيليين لمعظم القرى والمزارع العربية، بقي فيها الآن ما يقارب عشرين ألف نسمة من العرب الذين يشكّل الدروز معظمهم والبقية علويّون، إضافة لعشرين ألف مستوطن إسرائيلي يتوزّعون على 30 مستوطنة وهم من اليهود وثلثهم من يهود روسيا.

يرفض معظم العرب خاصّة الدروز الجنسية الإسرائيلية، حيث يحمل أقل من 3500 منهم الجنسية الإسرائيلية، بينما يحمل البقية وثائق إقامة دائمة، كما أنهم يفقدونها بمجرّد مغادرتهم للخارج لفترة طويلة بما في ذلك سفرهم لدمشق للدراسة.

اقرأ أيضًا “إسرائيل” بعلامات التنصيص تلاحقني

الوضع القانوني للجولان

ضمّت “إسرائيل” الجولان عام 1981 ولا يعترف بتبعيّة الجولان لإسرائيل أيّة دولة باستثناء الولايات المتّحدة التي اعترفت بذلك العام الماضي أثناء زيارة الرئيس دونالد ترمب، مع ذلك أكّدت الأمم المتّحدة على لسان أمينها العام حيث قال «قرار الرئيس الأمريكي لا يغيّر من الوضعية القانونية للجولان بصفتها أرض سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي»

وبكلّ الأحوال فإنّ قرار الأمم المتّحدة 242 يدعو لانسحاب “إسرائيل” إلى خلف خطوط 4 حزيران 1967، أي قبل حرب الأيّام الستة (نكسة حزيران) التي احتلّت خلالها “إسرائيل” سيناء والضفة الغربية والجولان.

مصدر الصورة بي بي سي

وقد فشلت سوريا في استعادة الجولان رغم الهجوم المفاجئ الذي سنّته بالتزامن مع هجوم مصر في 6 تشرين الأول أكتوبر 1973 وبينما انسحب مصر من المواجهة ودخلت في مفاوضات السلام التي استرجعت على إثرها سيناء، لم تسفر حرب الاستنزاف التي خاضتها سوريا لعدة شهور ومن ثمّ مفاوضات وقف إطلاق النار إلا عن استرجاع مدينة القنيطرة التي كانت مهدّمةً بالكامل (ومازالت حتى اليوم مهدّمة كمعرض لأعمال التخريب المتعمّدة التي نفّذتها “إسرائيل” قبل انسحابها)، بينما ثبّتت الأمم المتّحدة خطّ وقف إطلاق النار ومنطقة عازلة ترابط فيها قوّات أمميّة UNDOF منذ نصف قرن تقريبًا ويجري تمديد مهمّتها كل ستة أشهر من قبل مجلس الأمن.

تتبع المنطقة العازلة إداريًا وفعليًا لسوريا، وتحوي عدّة قرى ومزارع سورية والكثير من نقاط التفتيش العسكرية الأمميّة ووحدات تابعة للجيش السوري وحقول ألغام، وقد قضيت خدمتي العسكرية هناك على خط Bravo وهو الخط الشرقي في المنطقة العازلة وكنّا ندعوه اصطلاحًا “الخطّ الأزرق” لأنّ قوّات الأمم المتّحدة المرابطة هناك تتمركز بين الخطّين Bravo من الطرف السوري، و Alpha من الطرف الإسرائيلي، حيث يقترب هذان الخطّان من بعضهما في بعض المناطق وأشهرها “وادي الهتاف” أو “وادي الصياح”.

وادي الهتاف

هو وادي يفصل بين نقطة “عين التينة” من الجانب السوري، وقرية “مجدل شمس” العربية على الجانب المحتلّ.

يجتمع السوريّون في كلّ عام في عدّة مناسبات على طرفي الوادي حاملين معهم مكبّرات الصوت، حيث يتحدّثون مع بعض من خلالها خاصّة أفراد العوائل التي فرّقتها الحدود والنزوح، وكنتً حاضرًا في أحد تلك المناسبات وهي “يوم الأرض” وفي ذاك العام حدث أمرٌ استثنائي، حيث يقتصر الحدث في كلّ عام على الهتاف والسلام والغناء، لكن في عام 2011 حدث انفلاتٌ أمني واخترق بعض الشبّان الحواجز واستطاعوا تجاوز حقل الألغام ووصلوا للجانب المحتلّ وعبر بعضهم السياج الشائك، لكن القوات الإسرائيلية أمطرت الوادي بسيلٍ من القنابل الغازيّة والرصاص، وحصلت العديد من الإصابات وظلّت سيّارات الإسعاف على الجانبين تعمل حتى وقتٍ متأخر من الليل.

المفاوضات السورية الإسرائيلية

لم تكن تجري مفاوضات مباشرة بين الطرفين، بل كانت دومًا تجري عبر وسطاء، وكان آخرها عبر تركيا، والتي توقّفت بعد الثورة السورية في 2011، حيث كان آخر ما عرضته إسرائيل في عهد رئيس وزرائها إيهود باراك هو الانسحاب إلى شرقي طبريا بعدة أمتار، بحيث تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على البحيرة كاملةً، لكن أصرّت سوريا على استعادة المنطقة كاملةً حتى حدود 1923 (وهي الحدود المعترف بها دوليًا حتى اليوم)

مصدر الصورة ويكيبيديا

رغم ذلك فإنّ الجانب الإسرائيلي على المستوى الشعبي يرفض مثل هذه “التنازلات” من وجهة نظرهم، لأنّ هذا يعني تفكيك المستوطنات (30 مستوطنة) والتخلي عن أهم حاجز طبيعي يحمي الأراضي المحتلة من الشمال، لأنّ المقابل هو السلام الدائم والتطبيع مع سوريا، في الوقت الذي لا تشكّل فيه سوريا أيّ تهديد يُذكر.

أمّا اليوم وفي ظلّ سيطرة اليمين المتطرّف بقيادة نتنياهو على الحكم وكذلك بعد اعتراف الولايات المتّحدة بتبعية الجولان لإسرائيل، أضف إلى ذلك ضمّ الأغوار إلى “إسرائيل” مؤخّرًا، تزامنًا مع إعلان كلّ من الإمارات والبحرين التطبيع الكامل بينهما وبين إسرائيل وتصريحات ترمب بأنّ هناك عدّة دول عربية أخرى تستعدّ لعقد اتّفاقيّات مماثلة، كلّ هذا يعني بالضرورة إنهاء الحديث عن أيّة مفاوضات لاستعادة الجولان، فسوريا اليوم في أضعف حالاتها تاريخيًا بالمقابل فإنّ “إسرائيل” في أفضل حالاتها.

مصادر

قرار الأمم المتحدة رقم 242 لعام 1967

الجولان – ويكيبيديا

ترامب يوقع إعلانا يعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان

نُشر هذا المقال في ساسة بوست بتاريخ 23.09.2020

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى