عالم التقنية والابتكار
مدونات هافينغتون بوست

تسوّل المرأة اللاجئة السوريّة في المجتمع الجزائري

“تسوّل المرأة اللاجئة السوريّة في المجتمع الجزائري” كان عنوان مذكّرة لنيل شهادة الماستر في سوسيولوجيا العنف والعلم الجنائي بقسم علم الاجتماع في كلّيّة العلوم الإنسانيّة بجامعة الجيلاني بونعامة في الجزائر الشقيقة، وقد أعدّتها الطالبتان أحلام بكدي ونعيمة حلاليب، بإشراف الدكتورة فاطمة الزهراء نسيسة.

وسأردّ بهذا المقال على مجمل الرسالة بصفتي سورياً لا بصفتي باحثاً أو بروفيسوراً أو ناقداً وأنا لا أدّعي تمثيل جميع السوريين.

تمّت مناقشة الرسالة في سنة 2016 أي منذ سنتين تقريباً، ونحن السوريّون وعموم عرب المشرق قليلو الاطّلاع على هذه المواضيع في المغرب العربيّ، خصوصاً للجامعات قليلة الشهرة بسبب البعد الجغرافي واستخدام اللغة الفرنسية هناك، ولقلّة المغتربين من دولنا، والذين يقيمون في المغرب العربيّ، والذي تسبّب في انتشار خبر هذه الرسالة هو أنّ أحد الإخوة الجزائريين الذي اطّلعوا عليها قد استفزّه هذا الأمر،

فاستنكره وطرح الموضوع على فيسبوك، وقد رأيت العديد من الإخوة الجزائريين الذين يدعون الجامعة لسحب الأطروحة من أرشيف الجامعة؛ كي لا تؤثّر سلباً على العلاقة بين الشعبين السوريّ والجزائري، أي أنّنا وصلنا أوّلاً إلى أنّ عموم الجزائريين لا يؤيّدون طرح هذا الموضوع.

ثانياً: عنوان الأطروحة بغضّ النظر عن أيّ اعتبارٍ آخر يوحي بأنّ هناك الآلاف من النساء السوريّات اللواتي اتّخذن التسوّل مهنةً بحيث أدّى هذا الأمر إلى اعتباره “ظاهرة” تستحق الدراسة؛ لما لها من آثار على “المجتمع الجزائري”، والحقيقة أنّ العنوان فقط هو الذي سبّب الغضب العارم من طرف السوريين دون الحاجة لقراءة الأطروحة أو الاطّلاع على ملخّصها.

ثالثاً: حسب إحصاءات وزارة التضامن الوطني والأسرة الجزائرية وصل إلى الجزائر منذ بداية الحرب السوريّة وحتّى إيقاف السماح للسوريين بدخول الجزائر دون فيزا حوالي 24 ألف سوري، وحسب إحصاء المركز الوطني للسجل التجاري الجزائري حلّت الجالية السوريّة بالمركز الثاني في عدد الشركات الأجنبية العاملة بالجزائر بـ1188 شركة مسجّلة، أي بمعدّل شركة واحدة مقابل كلّ 20 “لاجئاً سورياً”.

جدير بالذكر أنّ المسافة بين دمشق والجزائر أكثر من 3000 كم وتفصل بينهما ثلاث دول على الأقلّ، ولا يمكن الوصول إلا بالطائرة والتي تكلّف للشخص الواحد 400 دولار بالدرجة الاقتصادية، وبحساب تكلفة جوازات السفر فإنّ تكلفة وصول عائلة من خمسة أشخاص تبدأ من 4000 دولار، وهذا المبلغ كان يكفي لوصولهم بطرق غير شرعية إلى أوروبا؛ حيث يحصل اللاجئ هناك على إعانات ورعاية اجتماعية دون الحاجة للتسوّل، لكن لماذا أتوا إلى الجزائر؟ الجواب ببساطة وبالنظر إلى عدد الشركات المسجّلة باسم السوريين وبأخذ نسبة البطالة في الجزائر والتي تزيد عن 12% بعين الاعتبار أنّهم أتوا إلى الجزائر لاستئناف أعمالهم الصناعيّة أو التجاريّة.

رابعاً: العيّنة المدروسة أقلّ ما يمكن قوله عنها إنّ عدد أفرادها مضحك، ولو أنّ أحد طلابي في المرحلة المتوسّطة الذين كلّفتهم بمهمّة إحصائيّة لا صفّيّة أتاني بعيّنة من ثمانية أفراد لمنحته صفراً من مائة؛ حيث إنّه من أهمّ شروط البحث الإحصائي أن تكون العيّنة مناسبة للدراسة، ولكي تكون مناسبة يجب أن يكون العدد كبيراً إلى حدٍّ كافٍ إضافةً إلى باقي الشروط من حيث الشموليّة والعشوائية.. إلخ، كما أنّ عدد الأسئلة التي طُرِحت في الاستبانة أيضاً مخجل فهو 12 سؤالاً فقط!

خامساً: إنّ من نتائج الدراسة أنّ بعض المتسوّلات كنّ من الغجر والتسوّل مهنتهم الأصليّة، بينما لا يوجد في أسئلة الاستبيان أو تقييم الحالات المبحوثة إشارة إلى العرق الذي تنتمي إليه المتسوّلة، وقد وجدتُ أنّ الباحثتين قد اقتبستا هذه المعلومة من تصريح لأستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة فارس مسدور منشور في مقال بعنوان “السوريون بالجزائر.. نجاح وتألق في عالم التجارة” على موقع الجزيرة. دون ذكر للمصدر بل وإدراج هذا البند ضمن نتائج الدراسة.

سادساً: نتائج الأطروحة بشكل عامّ لم تكن ذات فائدة بمعنى أنّها لم تقدّم حلولاً واقعيّة أو غير واقعيّة لحلّ هذه المشكلة، فهي لم تجب عن سؤال مهمّ جداً (لم يرد في الأطروحة أساساً) هو: “لماذا تشكّلت في الجزائر فئة المتسوّلين من اللاجئين ولم تتشكّل في أوروبا؟” فضلاً عن أنّ جميع النتائج لم تكن إلا تأكيداً لما يعرفه جميع البشر، فأيّ طفل بالمرحلة الابتدائية يعرف أنّ السبب الرئيسي للتسوّل هو الفقر الذي سببه عدم وجود معيل أو البطالة.. الخ.

أخيراً إنّ الانطباع العامّ الذي لحَظتُه من خلال موقع فيسبوك هو استياء السوريين والجزائريين على حدٍّ سواء من هذه الرسالة، وقد اعتبرت رسالة أمنيّة وليست رسالة ماستر، يُرادُ منها توجيه رسالة إلى الشعب الجزائري مفادها أنّ هذا ما ستؤول إليه أحوالكم في حال ثُرتم على الذي يحكمكم، وهي ذات الرسالة التي وجّهتها صراحةً ذات يوم الإعلاميّة المصرية ريهام سعيد.

نُشِرت هذه المقالة في هافينغتون بوست عربي بتاريخ 15/01/2018

زر الذهاب إلى الأعلى