فلك

كيف نعرف وزن مجرتنا ونحن بداخلها؟

هل يمكن معرفة وزن مجرة درب التبانة بدقة؟

لم نتمكن من معرفة الوزن إلا مؤخرًا وقد اعتبر هذا الأمر إنجاز علمي ضخم.

أول ما يخطر على بال علماء الفلك هو أن يحصوا النجوم أو السدم، وكل ما يظهر في تلسكوباتهم، ثم يضيفوا كتلة كل منها إلى الآخر ليحصلوا على مجموع وزنها. ولكن المشكلة في مجرتنا أنها مترامية الأطراف بشكل هائل، وما يزيد الأمر صعوبة هو أننا بداخلها!

فلا نستطيع أن نرى الأقسام الواقعة بعيدًا عن مركزها، أو من الجهة المقابلة له؛ لأن الأفق مُغطى بكمية هائلة من النجوم، كما لو كنّا نعيش بداخل غابة كثيفة، يلفها الضباب، وتحتوي على غيوم هائلة من الغازات والغبار الكوني المتلبّد.

أما بالنسبة للسفر خارج المجرة، فهو أمر غير وارد بطبيعة الحال؛ لأنه يتطلب السفر لمليارات السنوات حتى لو استخدمنا أسرع مسابير الفضاء التي نملكها الآن! لذا علينا أن نجرب طريقة أخرى، فنحسب متوسط كمية النجوم التي بجوار الشمس، ثم نقارن ذلك المتوسط بالحجم الإجمالي للمجرة.

يوجد أقرب نجم من شمسنا على مسافة 4.4 سنة ضوئية، وهو «رجل القنطور»، لنتخيل كرة يقع مركزها في منتصف المسافة بين النجمين بالضبط، بحيث يقطع كل منهما نصفين، تلك الكرة سيكون حجمها 65 سنة ضوئية مكعبة، وتحتوي على نصفي نجمين أو على نجم كامل، فإذا قسمنا ذلك النجم على الحجم المذكور سينتج لنا متوسط 0.015 نجم في كل سنة ضوئية مكعبة.

الوزن الحقيقي لمجرتنا

عندما استخدم علماء الفلك سابقًا العمليات الحسابية، باعتبار درب التبانة قرص، طول نصف قطره معروف، وكذلك سُمكه، حصلوا على حجم يساوي تقريبًا ثمانية آلاف مليار سنة ضوئية مكعبة، ويحتوي القرص على ما يزيد عن مئة مليار نجم بكتلة متوسطة تعادل كتلة الشمس، وهو ما يعبر عنه العلماء بمئة مليار كتلة شمسية.

ولكن هذه الأرقام ليست دقيقة بما يكفي، إذ يمكننا أن نحقق مزيدًا من الدقة إن أخذنا عينة أكبر من الفضاء المحيط بالشمس، وهو أحد أهداف المسبار الفضائي الأوروبي «غايا»، وهو الآن بصدد قياس مواقع مليار من النجوم في دائرة يبلغ قطرها مئات الآلاف من السنوات الضوئية.

لذا قام العلماء بقياس الكمية الكاملة للأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من نجوم المجرة، لتعطي آخر التقديرات حوالي 64 كتلة شمسية في شكل نجوم، إضافةً لـ 800 مليار كتلة شمسية في صورة غازات.

لكن هذا الحساب غير صحيح أيضًا، فعند قياس السرعات التي تدور بها نجوم درب التبانة حول مركز المجرة، تبيّن أنها سريعة أكثر مما ينبغي! لذا يُفترض أن تكون المجرة أثقل من هذا بكثير، وإلا فإن تلك النجوم ستطير تحت تأثير قوة الطرد المركزي.

نشأة فرضية المادّة السوداء

وكان التفسير الوحيد هو أنها غارقة في هالة من المادة الغامضة التي أُطلق عليها «المادة السوداء»، وذلك لأننا لا نعرف عنها أي شيء حتى الآن. ولكن بفضل جاذبيتها القوية تحتفظ بالنجوم داخل حدود المجرة، كما أن وزن هذه المادة الغامضة أكبر بكثير من وزن المادة العادية التي نعرفها بالفعل.

وباستخدام محاكاة عن طريق أجهزة الكمبيوتر، وصلنا إلى نتائج أكثر دقة لوزن مجرتنا درب التبانة؛ حيث جاءت النتيجة مفاجئة تتمثل في أن الكتلة الإجمالية للمجرة قد تبلغ 960 مليار كتلة شمسية، يتكون القسم الأكبر منها من المادة السوداء التي قد تبلغ 900 مليار كتلة شمسية.

منقول بتصرف من مجلة الفتيان العدد 22

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى