أراجيكالإحصاءاليوم العالمي

في اليوم العالمي للإحصاء – كيف ساهم اللغويّون العرب في نشأة هذا العلم

قرّرت الجمعية العامّة للأمم المتّحدة تحديد يوم 20 تشرين الأول أوكتوبر 2010 يومًا عالميًا للإحصاء، تحت شعار “الاحتفال بالإنجازات الكثيرة للإحصاءات الكثيرة” وتسليمًا منها بالتاريخ الطويل للإحصاءات الرسمية وبما أدّته من دورٍ تيسيري للأمم المتّحدة، وبما تؤدّيه المعلومات الإحصائية في تحسين اتّخاذ القرارات وصياغة السياسات العامّة على مستوى الدول والعالم، قرّرت في سنة 2015 تعيين نفس اليوم باعتباره يومًا عالميًا للإحصاء تحت شعار “بيانات أفضل من أجل حياةٍ أفضل”.

وقد جاء اختيار سنة 2015 لإعادة الاحتفال بهذا اليوم للمرة الثانية لأنّه يصادف الذكرى المئتين لميلاد عالم الرياضيّات الفذّ “جورج بول” الذي ساهمت جهوده في اعتماد مبادئ جبر المنطق (الجبر البولياني) كشكل من أشكال الجبر الذي أسّس لعلم الحواسيب الحديث.

وبعد ذلك اتُخِذ القرار بأن تحتفل الأمم المتّحدة باليوم العالمي للإحصاء كلّ خمس سنوات في 20 كانون الثاني أوكتوبر، ويجري الاحتفال في عام 2020 تحت شعار “ربط العالم بيانات يمكن الوثوق بها” وقد جاء هذا الشعار تلبيةً للحاجة المتزادية للإحصائيّات الموثوقة في ظل جائحة كورونا، وانتشار إشاعات وأخبار كاذبة ومضلّلة.

ولادة علم الإحصاء

باعتبار الاحتمالات أحد أهمّ أعمدة الإحصاء، والتي غالبًا ما تعرّفنا عليها في مناهجنا المدرسية ضمن قسم واحد هو “الإحصاء والاحتمالات” فإنّ نشأة الاحتمالات كانت ممهّدًا لولادة علم الإحصاء ككلّ، وتعود أقدم الكتابات في الاحتمالات إلى القرن الثامن الميلادي لعالم اللغة العربية وواضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي كتب كتاب رسائل التشفير، الذي يحوي أوّل استخدام للتبديلات، لسرد جميع الكلمات العربية الممكنة مع وبدون أحرف العلّة.

أمّا أوّل ما كُتِب في الإحصاء بشكلٍ خاصّ هو بحث في الإحصاء كتبه العالم العربي “الكندي” في القرن التاسع الميلادي، حيث قدّم فيه وصفًا تفصيليًا لاستخدام الإحصاءات والتردّد في فكّ تشفير الرسائل المشفّرة، وفيما بعد في القرن الثالث عشر قدّم الأديب عليّ بن عدلان الموصليّ الذي كان مهووسًا بالألغاز مساهمةً في استخدام حجم العيّنة في تحليل التردّد.

أمّا أقدم مساهمة أوربية في الإحصاء كانت في القرن السابع عشر على يد التاجر الإنكليزي جون جرونت الذي طوّر “جدول الحياة” وهو جدول يُلخص فرص البقاء على قيد الحياة حسب السن أو المرحلة لأفراد مجموعة سكان، بناءً على معدلات المواليد والوفيات.

ثمّ تتالت الإنجازات في هذا المجال بعد تطوير نظرية الاحتمالات بوساطة جيرولامو كاردانو وبليز باسكال وبيير دي فيرما، والتي ساهم في وضعها دراسة ألعاب الحظ بشكلٍ رئيس.

وتسارعت الأبحاث والدراسات في هذا المجال بعد إدراك أهمّية الإحصاء في كثير من مجالات العلوم خاصّة البيولوجيا والاقتصاد والسكّان.

الإحصاء الحديث

لدى جميع الدول تقريبًا هيئات وطنية للإحصاء تزوّد صانعي القرار ومؤسسات الدولة بمؤشّرات وإحصائيات تساعد في اتّخاذ القرارات، كما إنّ الأمم المتّحدة تولي موضوع الإحصاءات أهمّية خاصّة كونها تشكل مرجعًا هامًا لكلّ دول وهيئات ومنظّمات العالم، فتأسسّت شعبة الإحصاء التي تتبع إدارة الشؤون الاقتصادية في الأمم المتّحدة.

توصيات من أجل الحصول على إحصاءات موثوقة

عملًا بشعار احتفالية هذا العام باليوم العالمي للإحصاء “ربط العالم ببيانات يمكن الوثوق بها” فإننا نسرد أهمّ النصائح كي يحصل القارئ على بيانات موثوقة.

في اليوم العالمي للإحصاء – كيف ساهم اللغويّون العرب في نشأة هذا العلم
في اليوم العالمي للإحصاء – كيف ساهم اللغويّون العرب في نشأة هذا العلم
  • تعدّد المصادر: يُعدّ من أهمّ التوصيات، حيث إنّ كلّ جهة إحصائية مهما كانت درجة موثوقيّتها فإنّها قد تتأثّر بعوامل اقتصادية وأيديولوجية وعرقيّة وسياسيّة مختلفة، لذا فإنّ أفضل وسيلة لتجنّب التحيّزات المحتملة هي الحصول على بيانات حول نفس الموضوع من مصادر مختلفة ومقارنتها وأخذ التقاطعات فيما بينها.
  • تحديث البيانات: قد يبدو هذا بدهيًّا، لكن مع ذلك فإنّ بعض الهيئات الحكومية تعتمد بيانات يمكن وصفها بأنّها أثريّة لشدّة قدمها، لذا يجب الانتباه أثناء قراءة إحصائيّات وبيانات ما إلى السنة التي أجريت فيها تلك الإحصاءات.
  • تعدّد القراءات لنفس الإحصائية: هناك العديد من مراكز البحث المرموقة التي تأخذ عنها وسائل الإعلام، لكن مع ذلك فإنّ نفس الخبر يُقرأ في وسيلة إعلامية ما بطريقة مختلفة وقد تكون معاكسة تمامًا لقراءته في وسيلة أخرى، وهنا من الأفضل الرجوع للمادّة الأصلية، لكن ولأنّ معظم هذه البيانات تكون مأجورة ولا يمكن الوصول لها بسهولة، فإنّ قراءة الخبر في عدّة وسائل قد يساهم في توضيح الصورة على حقيقتها.
  • اقرأ بعقلك لا بعاطفتك: تعتمد وسائل الإعلام والأحزاب والشخصيات السياسية على جذب الجمهور ودغدغة مشاعره بوسائل عدّة أهمّها الأرقام، فتورد إحصائيات صحيحة لكن بطريقة خاطئة ومقصودة، مثل الإعلان عن اكتشاف حقل غاز ضخم يُقدّر احتياطيه بكذا مليار “قدم” مكعّب الخ، بينما نعلم أنّ جميع التقديرات تكون بالمتر المكعّب وليس القدم، والقصد من عرض البيانات بالقدم كان تهويل حجم الاكتشاف بثلاثين ضعفًا.
  • الأفضل والأسوأ أمور نسبية: كثيرًا ما تعترضنا أخبارًا تحوي كلمات التفضيل (أسوأ، أفضل، أكبر، أصغر، أرخص، أغلى، أعلى، أدنى ..الخ) وهنا تختلف تتمّة الخبر بحسب الوسيلة الإعلامية وتبعيّتها، فلو سمعت مثلًا أنّ أرخص إنترنت في العالم هو في الدولة الفلانية، هل هذا يعني أنّ الأمر جيّد بالنسبة لسكان تلك الدولة؟ الإجابة ودون ذكر اسم تلك الدولة لأنّه ليس محطّ بحثنا، هي “لا” لأنّ المقارنة كانت بعد تحويل كلفة الإنترنت في كلّ دولة إلى “الدولار الأمريكي” دون الأخذ بعين الاعتبار لا دخل المواطن في تلك الدولة ولا جودة الخدمة، ونفس الأمر ينطبق على أسعار المواصلات أو أسعار القهوة.
  • محو الأمّيّة الإحصائيّة: حتى نفهم معظم ما يُقال في نشرات الأخبار على الأقل، فإنّنا لسنا بحاجة لأن نكون خبراء، بل يكفي معرفتنا بمبادئ أوّليّة، كالنسبة والتناسب والمعدّل والعيّنة.. إلخ.
  • المنطق أوّلًا وأخيرًا: هذه نصيحة عامّة وليست خاصّة بالإحصائيات، لكنّها مهمّة جدًا في نطاق الإحصاء، مثلًا تقرأ خبرًا عن تدشين الرئيس الفلاني لأربعة آلاف مشروع خلال فترة رئاسته، لكن مهلًا فإنّ هذا يعني أنّ ذاك الرئيس يدشّن ثلاثة مشاريع كلّ يوم دون أي يوم عطلة.
  • المشاهدات الشخصيّة لا تعطي بيانات إحصائية: كثيرًا ما نسمع تعليقات حول الأخبار والتي تحاول نقضها، مثلًا إذا تحدّث الخبر عن نسبة الفقر في البلد، يقول قائل لم أشاهد أحدًا مات من الجوع طوال حياتي، وكذلك العكس، فيكون الخبر عن انخفاض أسعار العقارات في البلد، فيردّ أحدهم قائلًا على العكس، لقد باع أحد جيراني بيته بكذا وكذا، سواء في حالة التضخيم أو في حالة التقليل من أهمّية الخبر أو الرقم المذكور في الإحصائية، فإنّ النقد لم يكن مستندًا على إحصائية مماثلة ولا حتى على عيّنة ذات حجم كافٍ، إنما بناءً على مشاهدات شخصية لا يُعتدّ بها البتّة.

مظاهر احتفالية يوم الإحصاء العالمي 2020

  • منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات: الذي يجمع خبراء البيانات والإحصاءات والمستخدمين من الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات المانحة والهيئات الخيرية والوكالات الدولية والإقليمية والمجتمع الجغرافي المكاني ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية والهيئات المهنية لتحفيز الابتكار في البيانات وتعبئة دعم سياسي ومالي رفيع المستوى للبيانات، وبناء مسار لبيانات أفضل للتنمية المستدامة، ويجري اللقاء هذه السنة افتراضيًا بسبب جائحة كورونا.
  • ندوة LISA 2020: وهي برنامج لبناء قدرات التحليل الإحصائي وعلم البيانات في البلدان النامية، وتجري ندوة هذا العام أيضًا عبر الإنترنت.
  • المؤتمر الدولي السادس للبيانات الضخمة: الذي أقيم في كوريا الجنوبية، وعبر الإنترنت.

أخيرًا نؤكّد على أهمّيّة تزوّدكم بالمعلومات عبر القنوات الموثوقة والرسمية، على سبيل المثال من أجل الحصول على أعداد حقيقيّة متعلّقة بكورونا يمكنكم زيارة الموقع الذي خصّصته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة.

نُشر هذا المقال في أراجيك بتاريخ 20-10-2020

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى