عالم التقنية والابتكار
مدونات ساسة بوست

أنظمة مراقبة الامتحانات عبر الإنترنت

هل يمكن فعلًا إجراء امتحانات إلكترونية دون إمكانية الغش؟

غيّرت الثورة الصناعيّة الرابعة من طريقة عملنا بشكلٍ عام، وأثّرت في جميع جوانب حياتنا تقريبًا بما فيها التعليم، وما تزال هذه الثورة مستمرّة وما زالت تجبرنا على التغيير في كلّ يوم، وسواءً أعجبنا هذا التغيير أم لا فإنّنا مضطرّون للسباحة مع التيّار، وإلا فإنّه سيجرفنا بلا رحمة، وما يميّز هذه الثورة أنّها تتمحور حول الشباب وتؤثّر فيهم التأثير الأكبر، وكونها ثورة اتّصالات ورقمنة سريعة جدًا فإنّك بالتأكيد ستجد غالبيّة المتأثّرين والمؤثّرين فيها من الشرائح العمرية الصغيرة نسبيًا، وهم الفئة التي ما زالت تتلقّى التعليم إمّا الإلزامي أو التعليم العالي والمهني، وهذا بدوره سينعكس على عمليّة التعليم بأسرها.

يجادل الكثيرون بضرورة التحوّل الكامل إلى التعليم الحديث، وهذا مصطلح أظنّ أنّه استخدم لأوّل مرّة في العصر الذي اخترع فيه الورق وتحوّل الكتبة من الألواح الطينية إلى الأوراق بمختلف أشكالها، ممّا يعني أنّ الدعوات لتبنّي الطرق الحديثة في التعليم كانت دومًا تنجح في النهاية، وإلا لم نكن لنكتب الآن على لوحات المفاتيح هذه، واليوم يدلّ مصطلح التعليم الحديث على التعليم الذي يستخدم الوسائل التقنية بشكلٍ واسع مستفيدًا من سرعة الاتّصالات وسهولة نقل البيانات ومشاركتها عبر الإنترنت، وذلك بالاعتماد على أجهزة الحواسيب والهواتف الذكية التي وصلت لكلّ يدّ تقريبًا.

الكثير من المدارس حول العالم تعتمد كلّ التقنيات السابقة في التعليم، لكنها مازالت تحافظ على شكل المدرسة التقليدي من بناء، وباحات، وقاعات صفيّة، ومخابر، وامتحانات ومراقبين، وحتى شكل حافلة المدرسة التقليدي، ولونها الأصفر الفاقع، لكن الجديد اليوم، خاصّة بعد اضطرار حوالي مليار ونصف المليار من الطلاب للجلوس في منازلهم هو الدعوات للاقتصار على هذه التقنيات وتعزيز استخدامها وإلغاء جميع مظاهر المدرسة التقليدية والاقتصار على الدراسة المنزلية عن بعد، مستدلّين بالعدد الكبير من الجامعات التي تقدّم هذا النوع من التعليم، وكذلك التجارب القليلة بنفس الصدد بالنسبة للمدارس ما قبل الجامعيّة، ويزعم المؤيدون لهذا الأسلوب بوجود فوائد لا تعدّ ولا تحصى منها: توفير الملايين من ليترات الوقود المستهلك في مواصلات الطلاب، وتوفير ملايين الكيلوواطات من الكهرباء وغيرها من فواتير أبنية المدارس، يتبع ذلك توفير ملايين الأطنان من الورق المستهلك في طباعة الكتب، وكذلك توفير عدد كبير من الموظّفين، إلى آخر هذه القائمة من الأمور التي يطمحون لتوفير كلفتها، لكن بالمقابل يعتقد المعارضون أنّ هذا الأمر مستحيل للأسباب التالية: أولًا إنّ كلّ عبارة تبدأ بتوفير يجب أن تنتهي بعاطل عن العمل، ثمّ إنّ بقاء الطالب في البيت سيخلق عبئًا كبيرًا على والديه؛ ممّا سيجبر أحدهم على البقاء دومًا بصحبته، إضافةً للنقطة الجوهرية وهي انقطاع الطفل عن التواصل والاحتكاك المباشر مع أقرانه، وصولًا للمشكلة التقنية التي تشمل عدة نواحٍ مثل تأمين البنية التحتية اللازمة على مستوى الدولة، وعلى مستوى الأفراد، وأخيرًا عدم وجود نظام شفاف للامتحان عن بعد.

سنناقش في الفقرة التالية النقطة الأخيرة فقط والمتعلّقة بالامتحانات عن بعد، فجميع النقاط السابقة قد كُتب عنها المئات من المواد.

أنشأت عدّة شركات تكنولوجية منّصات مراقبة إلكترونية عبر الإنترنت لمراقبة الطلاب عن بعد أثناء تأدية الامتحان، وتعتمد هذه المنصّات على أنظمة ذكيّة متطوّرة تراقب كلّ شيء وتحلّله وتعطي تقريرًا مفصّلًا يمكن للمشرف أن يراجعه.

كيف تعمل أنظمة مراقبة الامتحانات عبر الإنترنت؟

بدايةً ننوّه أنّ المقصود بهذه الأنظمة ليست طريقة المراقبة التي تعتمد على مراقب بشري يراقب بواسطة كاميرا عن بعد، إنّما عن أنظمة تعتمد برامج حاسوبية متطوّرة.

أشهر منصّات المراقبة عن بعد هي Proctorio بروكتوريو التي تجري أكثر من مئة مليون مراقبة في العام، وكذلك منصّة Respondus ريسبوندوس التي لديها أيضًا أكثر من 100 مليون عملية مراقبة في العام، وكلاهما يعتمد طريقة متشابهة من حيث المبدأ مع بعض الاختلافات البسيطة، وسنفصّل في الأخيرة، حيث تعتمد Respondus على إقفال جميع المهام التي يمكن تنفيذها عبر الحاسوب، وترك نافذة واحدة فقط هي نافذة الامتحان، ويجب تشغيل كاميرا الويب، بحيث يمكن تصوير الطالب، وهو يؤدّي الامتحان كما يمكن أن يضيف المعلّم شرطًا قبل البدء بالامتحان، وهو تصوير كامل الغرفة والزوايا، وتحت الطاولة، ثمّ تثبيت الكاميرا والبدء بالامتحان، وعندها يبدأ تسجيل جميع حركات مؤشر الفأرة وتعبيرات وجه الطالب وحركاته، ويرصد نظام المراقبة أي تغيّر مفاجئ أو حركات غير طبيعية، سواءَ على شاشة الحاسوب، أو على الطالب نفسه، ويخزّن البيانات بشكلٍ متزامن مع أداء الامتحان، بحيث يضع في جدول خاصّ تقييمًا للطالب مرفقًا بألوان تعبّر عن حالته في كلّ ثانية، فحين يكون هناك إشارة حمراء مثلًا فهذا يعني أنّ هناك شكّ في أنّ الطالب قد تصّرف تصرّفًا غريبًا وهنا يمكن للمشرف أن يعود لتسجيلات الكاميرات لرؤية ما هو الشيء الغريب، فإنّ كان شيئًا مثل السعال فهو أمر طبيعي، أما إن كان الغياب عن نطاق رؤية الكاميرا، أو النظر في زوايا بعيدة، فهذا يضعه في خانة الشك، ويبقى التصرف في حقه منوطًا بالمشرف، كما يمكن إرفاق جدول الدرجات بالامتحان؛ ليكون التصحيح تلقائيًا بمجرد الانتهاء من الامتحان، علاوة على ذلك فإنّ المنصة تتيح في موقعها بنكًا كبيرًا من الامتحانات، والأسئلة الجاهزة مجانًا لتكوين امتحانات حسب الحاجة من كتب محددة وشهيرة.

وتدّعي الشركات التي تقدّم مثل هذه الخدمات أنّ المراقبة بواسطة أنظمة المراقبة عن بعد هو نظام أفضل من المراقبة البشرية؛ لأنّه يضمن الحياديّة، ويوفّر الكثير من الأموال على المؤسسات التعليمة؛ لأنّ كلفة أنظمة المراقبة الحاسوبية أقل من كلفة المراقبين البشريين، وكذلك يضمن لهذه المؤسسات التوسّع الكبير دون القلق بشأن البنى التحتية فلا داعي لقاعات كبيرة، ولا لمشرفين إضافيين مهما كان عدد الطلاب كبيرًا، وهذا ما يعيدنا إلى نقطة البداية في رفض هذه الأنظمة، وهي الكمّ الكبير من الوظائف التي ستختفي بمجرّد تطبيقها.

نُشر هذا المقال في ساسة بوست بتاريخ 20/04/2020

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى